للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأحد سادس عشره من هذه السنة، وخرج القضاة والأعيان لتوديعه، وقد كان أخبرنا عند توديعه بأن أخاه قاضي القضاة تاج الدين قد لبس خلعة القضاء بالديار المصرية، وهو متوجه إلى الشام عند وصوله إلى ديار مصر، وذكر لنا أن أخاه كاره للشَّام. وأنشدني القاضي صلاح الدين الصَّفدي ليلة الجمعة رابع عشره لنفسه فيما عكس عن المتنبي في بيته من قصيدته وهو قوله: [من الوافر]

إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا … فأيسرُ ما يمرُّ به الوحولُ (١)

وقال: [من الوافر]

دخول دمشقَ يُكسبنا نُحُولًا … كأنَّ لها دخولًا في البَرَايَا

إذا اعتاد الغريب الخوض فيها … فأيسرُ ما يمرُّ به المنايا

وهذا شعر قوي، وعكس جلي، لفظًا ومعنى (٢).

وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر عملت ختمةٌ حافلة بالمارستان الدقاقي جوار الجامع، بسبب تكامل تجديده [على يدي ناظره السيد شهاب الدين ابن علاء الدين الحسيني وكان] (٣) قريب السقف مبنيًا باللين، حتى قناطره [فهدم ذلك كلّه، ورفع سقفه، وبنى قناطره] (٤) الأربع بالحجارة البلق، وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة، وفتق في قبلته إيوانًا حسنًا زاد في أعماقه أضعاف ما كان، وبَيَّضَه جميعه بالجص الحسن المليح، وجُدّدت فيه خزائن ومصالح، وفرش ولحف جدد، وأشياء حسنة، فأثابه الله وأحسن جزاءه آمين، وحضر الختمة (٥) جماعات من الناس من الخواص والعوام، ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارات، وأخبره بما كانت عليه حاله قبل هذه العمارة، فاستجاد ذلك من صنيع الناظر.

شهر ربيع الأول، أوّله الإثنين، وقيل: الأحد، في يوم الجمعة السادس والعشرين منه قرئ بالجامع الأموي على السُّدَّة كتاب السلطان بحضرة نائب السلطنة والقضاة والخطيب والأعيان، مضمونة الحثّ على التقدم إلى عمارة رباع الجامع، والمحراب قبل أخذ المعاليم والجوامك.

شهر ربيع الآخر، وأوّله الأربعاء (٦).


(١) في ط: الوصول بالصاد وهو تحريف. والبيت من قصيدة يمدح بها المتنبي سيف الدولة وقد عزم على الرحيل عن أنطاكية. وهي في ديوانه (٣/ ٥) بشرح العُكْبري.
(٢) نقله السخاوي في الذيل التام (١/ ١٩٣).
(٣) ما بين الحاصرتين ليس في ط.
(٤) ما بين الحاصرتين ليس في ط.
(٥) في ط: الخيمة. وهو تحريف.
(٦) ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.

<<  <   >  >>