للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقفها في داره بهاء الدين القاسم بن عساكر (١)، داخل باب توما].

شهر رمضان المعظم، أوّله الإثنين. فيه قُرئ عليَّ البخاري تحت قبة النّسر، وحضرنا قاضي القضاة المالكي بقراءة ابن الرفاعي، وقرئ على قاضي القضاة تاج الدين (السيرة النبوية) عند باب الخطابة قرأه شمس الدين بن سند.

وفي صبيحة يوم الجمعة مات رجل فقير بجامع تنكز، كان قد صلّى ركعتين، وجلس مع الناس ينتظر الصلاة، وهناك جنازة جاء معها، ليشيعها، فبينا هو كذلك إذ جاءه الموت فجأة، فمات من ساعته، فأخذه الناس من فوره، فغسلوه في المطهرة، وحملوه على أيديهم ووضعوه على البساط، ولما صلّي الناس، وصلوا على الجنازة وُضع مع المَيْت في نعشه، وحملا جميعًا إلى المقابر، وأنا هناك بالجامع المذكور حاضر لإسماع البخاري. وختمت البخاريات في أواخر الشهر (٢).

ووقع بين الشيخ عماد الدين بن السراج قارئ البخاري عند محراب الصحابة، وبين الشيخ بدر الدين بن الشيخ جمال الدين الشَّريشي، وتهاترا على رؤوس الأشهاد بسبب لفظة "يبتز" بمعنى يدَّخر، وفي نسخة يلتز، فحكى ابن السراج عن الحافظ المزي أن الصواب "يبتز" من قول العرب: عزّ بزَّ (٣) وصدق في ذلك، فكأن منازعَه خطأ ابنَ المِزِّي، فانتصر الآخر للحافظ المزي، فقاد منه بالقول، ثم قام والده الشيخ جمال الدين المشار إليه، فكشف رأسه على طريقة الصوفية، فكأن ابن السَّرَّاج لم يلتفت إليه، وترافعوا إلى القاضي الشافعي فانتصر للحافظ المزي، وجرت أمور ثم اصطلحوا غير مرة، وعزم أولئك على كتب محضر على ابن السراج، ثم انطفأت تلك الشرور.

وكثر الموت في أثناء هذا الشهر وقاربت العدة مئة، وربما جاوزت المئة، وربما كانت أقل منها وهو الغالب، ومات جماعة من الأصحاب والمعارف، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكثر الجراد في البساتين، وعظُم الخطب بسببه، وأتلف شيئًا كثيرًا من الغلات والثمار والمقاثي والخضراوات، وغلت الأسعار وقلت الثمار، وارتفعت قيم الأشياء [فبيع الدبس بما فوق المئتين القنطار، والرز بأزيد من ذلك] (٤).

وتكامل فتح باب كَيْسان وسموه الباب القبلي، ووضع الجسر منه إلى الطريق السالكة، وعرضه أزيد من عشرة أذرع بالنجاري لأجل عمل الباشورة في جانبيه، ودخلت المارة عليه من المشاة والركبان، وجاء


(١) هي دار الحديث البهائية، وقد كان الواقف طبيبًا بارعًا، كثير الصدقات. وقد سبق ذكره في وفيات سنة (٧٢٣) هـ.
(٢) ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(٣) في ط: يز، وهو تحريف. وهو إشارة إلى المثل القائل: من عزَّ بزَّ، أي من غلب سلب.
(٤) ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.

<<  <   >  >>