للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي أوائل هذا الشهر ورد المرسوم الشريف السلطاني بالردّ على نساء النصارى ما كان أخذ منهنَّ مع الجباية التي كان تقدم ذكرها، وإن كان الجميع ظلمًا، ولكن الأخذ من النساء أفحش وأبلغ في الظلم، والله أعلم.

وفي يوم الإثنين الخامسَ عشرَ منه أمر نائب السلطنة أعزه الله بكبس بساتين أهل الذمة فوجد فيها من الخمر المعتصر في الخوابي والحُبَاب (١) فأريقت عن آخرها ولله الحمد والمنة، بحيث جرت في الأزقَّة والطرقات.

وفاض نهر تُورَا (٢) من ذلك، وأمر بمصادرة أهل الذمة الذين وجد عندهم ذلك بمال جزيل، وهم تحت الجباية، وبعد أيام نودي في البلد بأن نساء أهل الذمة لا تدخل الحمَّامات مع المسلمات، بل تدخل حمَّامات تختصُّ بهن، ومن دخل من أهل الذمة الرجال مع الرجال المسلمين يكون في رقاب الكفار علامات يُعرفون بها من أجراس وخواتيم. ونحو ذلك، وأمر نساء أهل الذمة بأن تلبس المرأة خفَّيها مخالفَين في اللَّون بأن يكون أحدهما أبيض والآخر أصفر أو نحو ذلك.

ولما كان يوم الجمعة التاسعَ عشرَ من الشهر - أعني ربيع الآخَر - طلب القضاة الثلاثة وجماعة من المفتين: فمن ناحية الشافعي نائباه، وهما القاضي شمس الدين الغَزِّي والقاضي بدر الدين بن وهيبة، والشيخ جمال الدين ابن قاضي الزَّبداني، وكاتبه ابن كثير، والشيخ بدر الدين حسن الزُّرَعي، والشيخ تقي الدين الفارقي. ومن الجانب الآخَر قاضيا القضاة جمال الدين المالكي والحنبلي، والشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي، والشيخ جمال الدين بن الشَّرَيشي (٣)، والشيخ عز الدين حمزة ابن شيخ السَّلامية الحنبلي، وعماد الدين الحسبائي، فاجتمعنا عند نائب السلطنة بالقاعة التي في صدر إيوان دار السعادة، وجلس نائب السلطنة في صدر المكان، وجلسنا حوله، فكان أول ما قال: كنَّا نحنُ التركَ وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجيء إلى العلماء فيصلحون بيننا، فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا نجيء تصلح بينهم (٤) وشرع في تأنيب من شنَّع على الشافعي بما تقدم ذكرُه من تلك الأقوال والأفاعيل التي كتبت في تلك الأوراق وغيرها، وأن هذا يشفي الأعداء بنا، وأشار بالصُّلح بين القضاة بعضهم مع بعض، فصمَّم بعضهم وامتنع، وجرت مناقشات من بعض الحاضرين فيما بينهم، ثم حصل بحثٌ في مسائل، ثم قال نائب السلطنة أخيرًا: أما سمعتم قول الله تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾ [المائدة: ٩٥]


(١) "الحُباب": ج حُبّ وهو الجرَّة الضخمة، القاموس المحيط (الحُبُّ).
(٢) في ط: توزا وهو تحريف.
(٣) في ط: الشريشني وهو تحريف، وقد صححته كثيرًا دونما إشارة لذلك.
(٤) العبارة في ط مضطربة (فمن يصلح بينهم؟) هكذا.

<<  <   >  >>