للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيديهما، والخلائقُ يدعون لهما، فاستمرًا كذلك ذاهبين إلى الدّيار المصرية، فلمّا وصل إلى الدّيار المصريّة أكرمَهُ يَلْبُغا، وأَنعمَ عليه. وسألَ أن يكونَ ببلادِ حلبَ، فأجابَهُ إلى ذلك، وعادَ فنزلَ بدار طَيْدَمِر (١) الإسماعيلي، وارتحلَ منها إلى حلبَ على ما سيأتي، وقد اجتمعتُ به هنالك، وعنده بعض التّشكّي من آثارِ ما نالَهُ من الطرّيق من المَرَضِ، ثم عُوفي وسافرَ.

وباشرَ نيابةَ الغيبةِ الأميرُ زين الدين زَبَالة الذي كان نائبَ القلعة إلى أن قدمَ نائبُ السَّلطنةِ.

ودخلَ المحمَلُ السُّلطاني يومَ الثلاثاء الثاني والعشرين من الشهر، على خلافِ العادَة بسبب غَيْبَةِ النّائب.

شهرُ صفر المبارك أَوّلُه الأربعاء، في مستهِلّه سقطَ قاضي القضاة شرفُ الدِّين ابن قاضي الجَبَل الحنبلي من عُلْوِ داره، فيقال: إنَّه انكسرَتْ رجلُه [] (٢) عافاه الله.

وفي ليلةِ الجمعة ثالثه، رُفعت نارٌ بجبلِ [الصّالحية تنبئ] (٣) عن نار رُفعت من ناحية البحر، فاهتمّ الناسُ لذلك، فلمّا أصبح يومُ الجمعة صبيحتَها نُودي في البلدان لا يتخلّف أحد من أجْناد الحَلَقة عن المسير إلى بيروت، فبادر الناس والجيش مُلبسين إلى سطح المزّة، وخرج الأميرُ عليُّ المارداني الذي كان نائبَ الشّام من داره داخل باب الجابية في جماعة مُلبسين في هيئة حسنة، وولده الأمير ناصر الدين محمد، وطلبُهُ بين يديه، وقد جاء نائبُ الغَيبة والحَجَبة إلى بين يدي أمير علي، وشاوروه في الأمر، فقال: ليس لي هاهنا أمر، ولكن إذا حضر الحرب والقتال فلي هناك رأي.

وخرج خلقٌ كثيرٌ متبرِّعين، وخطب قاضي القضاة تاجُ الدّين الشافعي بالناس يومَ الجمعة على العادة، وحرّض النّاسَ في خُطبته على الجهاد، وقد ألبس جماعةً من غِلمانة اللأَّمة والخُوَذ، وهو على عزم المسير مع الناس إلى بيروت، فلمّا كان من آخر النهار رجعَ النّاس إلى منازلهم، وقد وردَ الخبرُ بأنَّ المراكب التي رُئيت في البحر إنّما هي مراكبُ تجارٍ؛ فطابت قلوبُ النّاس، ولكن ظهرَ منهم استعدادٌ عظيم.

وفي ليلة الأحد خامسه: قُدم بالأمير جُرجي (٤) الذي كانَ إلى آخر وقت نائبَ حلب محتاطًا عليه، بعدَ عِشاء الآخرة إلى دار السَّعادة، فسُيِّر معزولًا عن حلب إلى طَرَابلُس بطَّالًا.


(١) في ط: ١٦/ ٤٦٩: (سنجر الإسماعيلي) وما أثبته الصواب. وقد مرّ ذكره في الكتاب نفسه ١٦/ ٣٨٠: (طَيْدَمِر).
(٢) في الأصل طمس قدر كلمتين، لم يتوجّه لي قراءتهما.
(٣) في: الأصل، طمس قدر كلمة.
(٤) جرجي الناصري. انظر إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء للطبّاخ ٢/ ٣٥٩.

<<  <   >  >>