للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكرنا، وصادرَ كاتب السرّ، وطمع فيه بسبب أنّه كان قد عُزل، فبينما هو على مصادرة النّاس وأذاهم إذ جاءهم هذا الخبر؛ فانكفَّ شرُّه عن الناس، والله الحمد.

وممّا قلته في مقتل يَلْبُغا ليلةَ بَلَغنا خبرُه (١) [من المتقارب]:

وفي يَلْبُغا عِبرَةٌ للأَرِيْـ … ـبِ باقيةٌ بدوامِ الحِقَبْ

تَنَاهى بهِ عزُّهُ للسُّهى … ودانتْ له التُّركُ ثمّ العربْ

ودوّخ كلَّ الملوك الّذِي … نَ عَصَوْهُ فلم يستطيعوا الهَرَبْ

وحازَ جميعَ كنوزِ الملوك … وساقَ الرَّعايا بسَوْطِ الرَّهَبْ

فهذا يُهان وهذا يُعزُّ … وهذاكَ يُمْنَعُ وهذا نُهبْ

فبينَا الأمورُ على ما ذَكَرْتُ … وقد أمِنَ المكرَ فيما حَسِبْ

تَمَالا عليهِ مماليكُهُ … وقَدْ كانَ جَمْعُهمُ للغَلَبْ (٢)

فما تَمَّ والله ما قدْ رَجَاهُ … وكانوا الحُماةَ فَصَارُوا العَطَبْ

أذاقُوه مِنْ حدِّ أَسيافهم … فأصبحَ كالأمسِ لمّا ذهبْ

فلم يُغنِ عنهُ جنودٌ لهُ … ولا ما حَوَى من كنوزِ الذَّهبْ

لا مُلْكَ إلا لربِّ العبادِ … سميعِ الدُّعاء لمن قد رَغِبْ (٣)

ولا عزَّ إلا لمن يَستجيرُ … بموْلاه من شَرِّ ما قد رَهِبْ

وقامَ بأعباءِ المُلك بعدَه بين يديّ السُّلطانِ الملكِ الأشرفِ جماعةٌ من الأمراء منهم؛ دواداره الأمير عز الدين أَيْدَمِر، وقاتل يَلْبُغا ممْلوكه الأمير أَسَنْدَمِر، وأَقْبُغا جلب، وطغيتمر النظامي.

وفي يوم السبت الثاني والعشرين من ربيع الآخَر هذا: خُلعَ على القاضي تاج الدين بن مشْكور بنظر الجيش بدمشقَ عوضًا عمّا كان بيده من نَظَرِ جيشِ حلب.

وقد ولي نظرَ الجيوش بحلب على ما ذُكر الأمير شهاب الدين ابن قاضي القضاة جمال الدين الزُّرَعي أحدُ من حكمَ بديار مصرَ وبالشام قضاءَ قضاة الشافعية، وقد كان الأميرُ شهاب الدين هذا يلبَسُ لبسَ الأجناد، وقد عمل استاداريّة لجماعةٍ من الأمراء، حتَّى كان آخر ما كان عندَ نائب السلطنة مَنْكَلي بُغَا فاستصحبه معه إلى حلب، وولّاه نظر الجيش، ونظر ديوانه هناك، وهو مشكورُ السّيرة محمود السريرة، وفقه الله تعالى.


(١) انظر الذيل التام ١/ ٢١٩. فيه: "وكذا قال ابن كثير في ذلك أبياتًا" اهـ.
(٢) تَمَالا بتخفيف الهمزة تَمَالأَ: أي اجتمع. اللسان (ملأ).
(٣) في الأصل: رعب بالعين. ورغِبَ: تضرّع وسأل. اللسان (رغب). والمعنيان مقبولان.

<<  <   >  >>