للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأرض قبل أن يفرُّوا إلى المراكب لما تركَ أحدًا منهم يرجعُ إلى البحر حتَّى يقتلَه أو يأسرَه، وأخبرني أنّه قُتِلَ مئتان وثلاثون رجلًا غير ما قُتِلَ منهم في البيوت، وأخبرني أنَّ الفرنجَ ليسوا بشيء، وأنّ فرسانَهم ورجالَهم في غاية الضُّعْف، وأنّهم انكشفوا، وأنّ غالب من قتلَهُم العامَّةُ والنِّساء والحرافيشُ وبعضُ التُّركمان، وأنّهم التَقَوْا مع جماعةٍ من التُّركمان بأنْطَرْسوس فكسرهم التُّركمان، وقتلوا منهم خلقًا آخرين وأسروا.

وبينما أنا جالسٌ عنده إذ جيء بقسطارية (١) وسلاح من سلاحهم، وهو في غايةِ الإحكام، وذكرَ لي أنّه جاء معه خيلٌ من خيولهم، وأنّها في غاية الضُّعف وقلّة النَّفع.

وفوّض النَّظرَ في مصالح الجامع إلى قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي - أحسن الله إليهما -.

ولمّا كانَ يومُ الخميس خامسه عزلَ متولّي المدينة ابنَ دُغا الفيقي ورسّمَ عليه، وألزمه بمالٍ كثيرٍ، ومتولّي البر علاء الدين بن العلم الهلالي، وأحضرَ علم الدين بن البَصْراوي، وولَّاه ولاية المدينة على عادته قَسْرًا وقهْرًا بعد تهديدٍ ووعيد أكيد، وكذلك أحضرَ سيف الدين بن بُراق وولَّاه ولايةَ البر بعد تمنُّعٍ منه وتهديد ووعيد أيضًا من نائب السَّلطنة إن لم يقبل، وقال لهما ولسائر الولاة والمشدّين والمباشرين: لا تقبلوا شفاعةً ولا رسالةً ولا رِشوةً، ولا أكلَ مالِ أحدٍ.

وفي هذا اليوم تغَضّبَ نائب السلطنة المشار إليه على أمير عشرة يقال له: عادل شاه بسبب إساءة أدب في الأمر على نائب السلطنة، وتكرّر ذلك منه، فمُدَّ بين يديه، وأمَرَ بضربه فضُرب فيما سمعته من غير واحدٍ ألفًا وسبعمئة وثلاثة عشر عصًا، ثم رفعَهُ إلى القلعة مهانًا.

وفي يوم الجمعة سادسه صلّى نائب السَّلطنة في المقصورة من الجامع الأموي، وقُرئ تقليدُه على السُدّة، وفيه أنَّه فُوِّضَ إليه السّواحلُ والقدسُ ونابلسُ وساحلُ غزّة وغير ذلك، على قاعدة المقرّ العالي مَنْكَلي بَغا، وكان الذي قرأه الشيخ شمس الدين السُّبكي (٢)، وخلعَ عليه قاضي القضاة الشافعي، وكَثُر الدُّعاء لنائب السّلطنة، وأُشعلت له الشموع.

وفي يوم الإثنين تاسعه توجَّه الجماعةُ المجاهدون الذين كانوا قد تجّمعوا [في صحن] (٣) الأموي منهم من تبرَّع بُعدَّةٍ من عنده، ومنهم من أُعطي من النّاس، وذلك [باستفادة] (٤) الشيخ الصالح محمد السَّلاوي - تقبل الله منه -، وكان اجتماعهم وتعليق عُدَدِهم في صحن الجامع ممّا يلي رُواق الحنابلة على الأفاريز


(١) هكذا في الأصل، ولم يتوجّه لي ما هي.
(٢) في الأصل: (المسكي). تحريف. وشمس الدين السُّبكي. هو نائب الحسبة. انظر البداية والنهاية ١٦/ ٤٣٠.
(٣) في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(٤) في الأصل: طمس قدر كلمة.

<<  <   >  >>