للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= جمع قلوب المؤمنين، فأكثروا الشكر لله، والثناء عليه. وعليكم بما يجمع قلوب المؤمنين، ويُؤلف بين قلوبهم وإياكم والبطر والتفريق بين المؤمنين، فالأصل الذي يبنى عليه الاعتصام بالسنة والجماعة هو اجتماع قلوب المؤمنين بحيث لا يوجد التفريق بينهم والاختلاف بحسب الإمكان، فإن الذي صنعه الله ويصنعه في هذه القضية أمر جازَ حد الأوهام، وفات قوي العقول، وهو من حكم الله تعالى، والحمد لله ربّ العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا، مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربُّنا ويرضى، ثم ذكر السلام على الإخوان، والأخوات والأصحاب ومنها كتاب كتب فيه بعد حمد الله والصلاة على نبيه أما بعد:
فإن الله - وله الحمد - قد أنعم عليَّ من نعمه العظيمة، ومننه الجسيمة وآلائه الكريمة وعن المحذور على المقدور، والعبد مأمور بالصبر في السراء أعظم من الصبر في الضراء.
قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ٩ - ١١].
وتعلمون أن الله سبحانه في هذه القضية من المنن التي فيها من أسباب نصر دينه، وعلو كلمته ونصر جنده وعزة أوليائه وقوة أهل السنة والجماعة، وذل أهل البدعة والفرقة وتقرير ما قررناه عندكم من السنة وزيادات على ذلك بانفتاح أبواب الهدى والنصر، والدلائل وظهور الحق لأمم لا يُحصون، وإقبال الخلائق إلى سبيل السنة والجماعة، وغير ذلك، مع سد أبواب من الضلال، وبدع، وطموس سبيل الشيطان، وغير ذلك من المنن ما لا بد معه معه من عظيم الشكر.
وتعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب واجتماعها وصلاح ذات البين قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١].
ويقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]. ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: ١٠٥].
وأمثال هذا من النصوص التي يأمر الله فيها بالجماعة والائتلاف، وينهى عن التفرق والاختلاف، وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنهم هم أهل الفرقة والاختلاف، وجماع ذلك طاعة الله ورسوله وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة عن النبي قال:
"إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تُناصِحُوا من ولاه الله أموركم".
وفي "السنن" من حديث زيد بن ثابت وابن مسعود - فقيهي الصحابة - عن النبي قال:
"نَضَّر الله امرءًا سمع منا حديثًا فبلغه إلى من لم يسمعه، فربَّ حامل فقه غيرُ فقيه، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل الله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".
قوله: لا يغل: أي لا يحقد عليهن، فلا يبغض هذه الخصال قلب مسلم ألبتَّةَ، بل يحبهنَّ ويرضاهن وأوّلُ ما يبدأ به من هذا الفضل وما يتعلق بي.
فتعلمون رضي الله عنكم أني لا أحبُّ أن يؤذى أحد من عموم المسلمين بسببي، فضلًا عن أصحابي، لا باطنًا ولا ظاهرًا، ولا، ولا عندي عتب على أحد منهم ولا لوم أصلًا. بل هم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كلٌّ يحسبه. ولا يخلو الرجل من أن يكون مجتهدًا مصيبًا أو مجتهدًا مخطئًا أو مذنبًا. فالأول

<<  <   >  >>