كتابي إليكم عن نعم عظيمة، ومِنَنٍ كريمة، وآلاء جسيمة، نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله، ونعم الله كلما شكرت في نمو وازدياد، وأياديه جلَّت عن التعداد، وتعلمون أن مقامنا في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية، متي أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا. لسنا والله مختارين البعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، متى قدم ابتدأه أو كتمه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد لا تختارون إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرًا واحدًا، بل كل يوم أستخير الله تعالى في السفر إليكم، واستخيروا الله لنا ولكم وادعوا لنا بالخيرة، فنسأل الله العظيم أن يقدر لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخير، في خير وعافية، وحسن عاقبة، ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير والهداية والبركة ما لم يكن يخطر بالبال، ونحن في كل وقت في ازدياد من الخير، وفي الاهتمام بالسفر مستخيرون الله، فلا يظنُّ الضَّان أنا نؤثر على قربكم شيئًا من أمور الدنيا، بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه، ولكن ثمّ أمور كبار نخاف الضرر العام من إهمالها، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة، فإن الله سبحانه يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علام الغيوب وقد قال النبي ﷺ: "من سعادة ابن آدم استخارته الله، ورضاه بما يقسم الله، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته الله، وسخطه بما يقسم الله له" والتاجر يكون مسافرًا فيخاف ضياع بعض ماله، فيحتاج أن يقيم حتى يستوفيه، وما نحن فيه أمر يجلُّ عن الوصف، ولا حول ولا قوة إلا بالله [العلي] العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كثيرًا، وعلى سائر من في البيت من الكبار والصغار، وسائر الجيران والأهل والأصحاب واحدًا واحدًا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا. وكتب إلى أخيه لأمه: من أحمد بن تيمية إلى الأخ الشيخ العالم بدر الدين تولاه الله في جميع الأمور، وصرف عنه كل محذور، وأصل له أمر الدنيا وأمر الآخرة، وأسبغ عليه نعمه باطنة وظاهرة. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإنّا نحمد إليكم الله، ثم قال: أما بعد: فقد وصل كتابكم المبشّر بوصول الكتاب إليكم، فحمدنا الله على ما أنعم به عليكم من وصول أخبار السرور إليكم، ومن حين خرجنا لم نزل في آلاء مترادفة، ونِعَم متزايدة، ومنن جازت حد الأماني، بحيث يقصر الخطاب والكتاب عن تفصيل معشارها، ونِعَمٍ في زيادة، والله هو المسؤول أن يوزعنا وسائر إخواننا المؤمنين شكرها، ويزيدنا من فضله، وفي مقامنا بمصر من حصول الخير والفوائد لأهل هذه البلاد وتلك، ولكم ولسائر المسلمين ما أوجب التأخر عن التعجيل إليكم، فستعلمون أن ذلك من تمام نعم الله سبحانه، فإن في ذلك من الخير ما لم يمكن وصفه. وقد كان عقد مجلس بالمدرسة المنصورية يوم الخميس، وكان يومًا مشهودًا، كان من رحمة الله ولطفه ومنته، وانتشار الدعاء المستجاب، والثناء المستطاب، واجتماع القلوب على ما تحبونه، وتختارونه، فوق ما كان بالشام وأعظم منه، بحيث صار عند أهل مصر من البشرى والسرور، ورجوع جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم إلى الحق وعرفوا من نعم الله علينا ما لا يُحَدُّ ولا يوصف، وظهر الحق للعامة والخاصة، ووصل الجماعة القادمون عقيب بيان ذلك يوم الجمعة، فجمع الله الشمل على أحسن حال، فالحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، والحمد لله الذي =