للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= سرورًا عظيمًا، وحزن لخروجه آخرون، وضاقت صدورهم، وامتدحه الشيخ الإمام نجم الدين سليمان بن عبد القوي بقصيدة منها: [من البسيط]
فاصبر ففي الغيب ما يُغنيك عن حيل … وكلُّ صعب إذا صابرته هانا
ولست تعدم من خطب رميت به … إحدى اثنتين فأيقن ذاك إيقانا
تمحيص ذنب لتلفى الله خالصه … أو امتحان به تزداد قربانا
يا سعد إنا لنرجو أن يكون لنا … سعدًا ومرعاك للأعداء سعدانا
وإن يضرّ بك الرحمن طائفة .... آذت وينفع [من] بالود والانا
يا آل تيمية العالين مرتبةً … ومنصبًا قرع الأفلاك تبيانا
جواهر الكون أنتم، غير أنّكم .... في معشر أشربوا في العقل نقصانا
لا يعرفون لكم فضلًا ولو عقلوا … لصيَّروا لكم الأجفان أوطانا
يا من حوى من علوم الخلق ما قصرت … عنه الأوائل من كانوا إلى الآنا
إن تبتلى بلئام الناس يرفعهم .... عليك جهل لأهل الفضل قد حانا
أو جاه ظالم، أو قاض قد افتتنوا … بحب دنياهم يبدون بهتانا
لا يدّعون أقل الله خيرهم … ولا يخافون يوم العرض نيرانا
إنني لأقسم والإسلام معتقدي … وإنني من ذوي الإيمان إيمانا
لم ألق قبلك إنسانًا أسر به … فلا برحت لعين المجد إنسانا
في أبيات كثيرة، يمدح فيها الشيخ ويذم أعداءه.
وقال ابن عبد الهادي وغيره: وفي يوم الجمعة صلّى الشيخ تقي الدين في جامع الحاكم، وجلس فاجتمع عليه خلق عظيم، فسأله بعض الحاضرين أن يتكلم بشيء يسمعونه منه، فلم يتكلم بل تبسم، فقال له رجل:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] فنهض قائمًا، وابتدأ خطبة الحاجة، ثم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم تكلّم على تفسير قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾ [الفاتحة: ٥]. فتكلّم على معنى العبادة والاستعانة إلى أن أذن مؤذن العصر، بكلام يُسبي العقول وإنما قام قائمًا لأن الجمع كان كثيرًا، فانصرف الخلق عن ذلك المجلس، وقد امتلأت قلوبهم إيمانًا ويقينًا، وكل أحد يقول: لم نسمع بمثل هذا الكلام، وامتلأت القلوب له محبة، ومصر له ذكرًا وفي يوم الخميس السادس من شهر ربيع الآخر منها عقد مجلس آخر بالمدرسة الصالحية بالقاهرة واجتمع فيه القضاة وغيرهم، وكان مما جرى في هذا المجلس أنه قيل له: تستغفر الله العظيم وتتوب إليه. فقال الشيخ: كلنا نستغفر الله ونتوب إليه، ثم التفت الشيخ إلى رجل منهم، فقال له: استغفر الله العظيم وتب إليه، فقال الرجل: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، وكذلك قال لآخر ولآخر، وكلهم يقول كذلك، فقيل له: تب إليَّ من كذا وكذا، وذكر له كلامًا، فقال له: إن كنت قلت كلامًا يستوجب التوبة فأنا تائب منه. فقال له قائل منهم: هذه ليست توبة، وكان من أعيانهم، فردّ عليه الشيخ وجهله، ووقع كلام يطول ذكره.
قال: ووصل كتاب من الشيخ مؤرخ بليلة الجمعة رابع عشر من الشهر المذكور، ويذكر له أنه عقد له مجلس بالصالحية ثالث، بعد خروج مُهَنّا في يوم الخميس، وأنه حصل فيه خير كثير، وأن في إقامته بمصر مصالح وفوائد للناس، وكتب كتابًا إلى والدته يقول فيه: من أحمد بن تيمية إلى الوالدة، أقر الله عينها بنعمه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه.

<<  <   >  >>