للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شهر رجب الفرد، من سنة سبعين وسبعمئة، أوّله. الجمعة في يوم الجمعة ثامنه ظهر جرادٌ منتشرٌ في البساتين والبلد، وشعَّث بعض الشيء، واستمرَّ موجودًا إلى الجمعة الأخرى، فسلَّط الله عليه ريحًا شديدة الهبوب فصرَفَتْهُ عن البلد، ولله الحمدُ، وقد قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ [الأحزاب: ٢٩].

وقد اشتُهر في هذا الشهر مَقْتَلُ صاحب قُبرص - لعنه الله - كما جاءتْ بذلك الكُتُبُ من الفِرَنج إلى إخوانهم بدمشقّ، وفي بعضها تفصيلُ صفة قَتلِه (١).

وملخّصه: أنَّ عشرة من أمرائه اجتمعوا بأخيه، وهو من عُبّادهم وزُهّادهم، فشَكَوْا إليه ما يَلْقى أهلُ قبرص منه من المصادرات، وما صنع في بلاد المسلمين، وما ترتَّب عليهم بسبب ذلك، فقال لهم أخوه: إن [شريعة الإنجيل] (٢) حكمت بأن يموت، فتعاقدوا وتعاهدوا على قتله، فلمّا جاءَ اللَّيلُ، جاءَ واحدٌ منهم [إلى باب] (٣) الملك ليَسْمُر عنده على العادة في علالي لهم في دارِ المُلْك بالأَفْقُسية (٤)، وهي أكبرُ مُدِنِ قُبرص، فاستأذنَ البوّاب لمن بعدَهُ من الإذن حتى أذن الملك بدخوله ولم يشعر بما وراء ذلك، وإذا بأَميرَيْن أَخَوَيْن قد قدِمُوا، ثم أربعةٌ، ثم ثلاثةٌ، ثم أربعةٌ حتى توافقوا كلُّهم وأخوهُ معهم، فلمّا دخلوا إلى صرحة (٥) الدّار، وقد استأذن لذلك الأمير الأول فأذن له ليصعدوا كلُّهم إليه، وإذا هو جالس في بشخاناه على فراش، فلمّا رآهُم أَنْكَرَهم وذُعِرَ منهم، فقال: ما جاءَ بكم في هذه الساعة؟ فقالوا: جتنا لنخبرك بما قد جرى على الرَّعايا بسبب ظُلمك وسيرتك الضّالَّة (٦)، وقد حكمت شريعةُ الإنجيل بقتلك، فقال: من هو الذي يقتلني؟ فضرَبَهُ بعضُ الأمراء بسكيّنٍ كانت بيده فأَتْلَفَ يده، وأهوى إليه آخر بسيفٍ معه، فقامَ الملك وخطفَهُ منْهُ، فضربه أخوه بحربةٍ في ظهره فأَخْرَجها من صدره، فوقع صريعًا، فهبَرُوه بالسُّيوف، ونزلوا، فركبوا في البلد، ونادَوْا بقتل الملك، ونظروا هل يُنْكِرُ ذلك أحدٌ فلم يُنكر ذلك أحدٌ من أهل البلد، فاجتمع الجيش والأمراءُ على أن يملِّكوا أخاه، فأبى ذلك. وقال: ملّكوا ولده، فبايعوه وهو ابن إحدى عشرة سنة، وعمُّه هو المدبِّر للمملكة، وكتب إلى صاحب مصرَ بالمصانعة، وأننّا تحت أوامركم، وبعث بأسارى وهدايا وتُحف.

شهرُ شعبان المكرّم، أوَّله الأحد. لم أجد شيئًا من الحوادث.


(١) ذكره ابن قاضي شهبة في تاريخه ٣/ ٣٤٨، والسخاوي في الذيل التام ١/ ٢٣٦.
(٢) في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(٣) في الأصل: بياض قدر كلمتين.
(٤) ويقال لها: (الأفقُوسيّة). وهي مدينة جزيرة قبرص. انظر معجم البلدان ١/ ٢٣٦.
(٥) الصَّرحةُ: السّاحة. اللسان (صرح).
(٦) في الأصل: (الظالمة). وما أثبته الأَشْبَه.

<<  <   >  >>