للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شهرُ رمضانَ المعظَّم، أوّلُه الإثنين. في مستهلّه باشرَ الحِسْبة شهاب الدّين أحمد بن الأماسي (١) الذي كان شادًا، ثم صار وكيلًا في دار الحنفي، باشر عوضًا عن الوَلَدِ عُمَر (٢)، وغلتِ الأسعارُ في أيَّامه، وتشاءَمَ النّاسُ به، وجُزّئ البخاري في أماكن متعدّدة من البلد على العادة.

وفي أواخر الشهر [وقع بدمشق طاعون خفيف يبدأ] (٣) بكُبّةٍ تطلع تحتَ الآباط أو في الفخذ؛ فيموتُ صاحبها بعد ثلاثة الأيام (٤) أو دونَها، واستمرّ شهورًا، ووَصَلَ عددُ الجنائز إلى الستِّين، ثم تقاصر إلى الخمسين والأربعين وأقل من ذلك، ثم وَقَى اللهُ الناس من شرّه وخفَّفَ ذلك، ولله الحمد والمنة.

شهر شوال المبارك، أوله الأربعاء. خرج المحملُ والحجيجُ يوم الإثنين ثالث عشره، وأميرُهُم سيفُ الدّين قَرَابُغَا مملوك أمير علي المارِدَاني نائب السَّلطنة بالدِّيار المصريَّة، وهو أحد الحَجَبةِ بدمشق وقاضيهم ابن شجرة الشافعي.

شهر ذي القعدة، أوله الخميس. في مستِهلّه دخل الأميرُ الكبير سيفُ الدِّين بَيْدَمِرُ الذي كان نائب الشَّام إلى دمشق من مدينة طَرْسُوس مطلوبًا إلى الدّيار المصريّة، فشرعَ في الاستدانة لأجلِ الهَدَايا التي يأخذها إلى الدّيار المصريّة، فلمَّا تكامل ما أرادَهُ صارَ إلى مصر في أُبَّهِة وتجمُّلٍ، ودخل مصر فقدَّم للسُّلطان ما ينبغي تقدِيمُه له، وكذلك للأمراء، فلمَّا كان اليوم الثاني من قدومه أُوقف بين يدي السُّلطان فتكلَّم فيه بعض الأمراء من الوسائط النّجسة؛ فناله إهانةُ، وأوقفوه تحت الأمراء الطّبلخانات ثم لمّا وُضع السّماط لم يدْعَ إليه، فخرج إلى الدِّهليز فجلس فيه كالمطرود المبعود، ثمّ صارَ إلى منزله الذي نزلَ فيه، فما هو إلا أن استقرَّ به إذ جاءَهُ الطَّلبُ إلى دارِ الشَّدّ، فطّلب منه عشرة آلاف دينار يُحضرها في الوقت، فذكر أنّه لم يبقَ معه شيء، فعُصر بالمعاصر غير مرّةٍ على ما ذكر لي ابن أخيه، ثم اشتُريَتْ منه ضيعةٌ بأرض حلب للأمير مَنْجَك بعشرة آلاف دينار، وأحالَهُم بها عليه، فقُبِضَت منه، ثم ردُّوه إلى طرْسُوس حيث كان (٥).

وفي أواخر هذا الشهر: خرج نائب حلب الأمير قَشْتَمِر إلى طائفة من العرب فكبسَهُم؛ بلغه عنهم أنَّهم يؤذُونَ النَّاسَ بتلك النّاحية، فقتل منهم ونهبّ بيوتهم، وربَّما ذكروا أنهم هَتَكُوا بعض الحريم، وفيها أبيات لبني مُهنَّا، فلما بلغهم الخبرُ احتدُّوا وغضبوا وجاؤوا بجمعٍ كثيرٍ في عَدد وعُدد، فحملوا على من هناك من


(١) في الأصل: (التماسي). وهو غلط. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣٤٩.
(٢) تقدّم ذكره.
(٣) في الأصل: بياض قدر خمس كلمات.
(٤) في الأصل: (الثلاثة أيام). وما أثبته الأفصح والأشبه.
(٥) انظر تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣٤٩ - ٣٥٠. وزاد فيه: ورجع خائبًا إلى طرسوس.

<<  <   >  >>