للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأحضر إلى دار العدل فاستسلم وحقن دمه (١) وعُزّر تعزيرًا بليغًا عنيفًا وطيف به في البلد باطنه وظاهره، وهو مكشوف الرأس ووجهه مقلوب وظهره مضروب، يُنادى عليه: هذا خزي من يتكلم في العلم بغير معرفة، ثم حبس وأُطلق فهرب إلى القاهرة، ثم عاد على البريد في شعبان ورجع إلى ما كان عليه.

وفيه قدم بهادرآص من نيابة صفد إلى دمشق وهنأه الناس.

وفيه قدم كتاب من السلطان إلى دمشق يتضمَّنُ (٢) أن لا يولّى أحد بمال ولا برِشْوة، فإِنَّ ذلك يُفْضي إلى ولاية من لا يستحق الولاية، وإلى ولاية غير الأهل (٣)، فقرأه ابن الزَّمْلَكاني على السُّدَّة وبلغه عنه ابن صبيح (٤) المؤذن، [وكان سبب ذلك الشيخ تقي الدين بن تيمية ] (٥).

وفي رجب وشعبان حصل للنّاس خوفٌ بدمشق (٦) بسبب أن التتر قد تحرّكوا للمجيء إلى الشام (٧)، فانزعج النَّاسُ من ذلك وخافوا، وتحول كثير منهم إلى البلد، وازدحموا في الأبواب، وذلك في شهر رمضان، وكثرت الأراجيف بأنهم قد وصلوا إلى الرَّحْبَة (٨)، وكذلك جرى واشتهر بأن ذلك بإشارة فَرَاسُنقُر وذويه فالله أعلم.

وفي رمضان جاء كتاب السلطان أنَّ من قتل لا يجني أحدٌ عليه، بل يتبع القاتل حتى يقتص منه بحكم الشرع الشريف، فقرأه ابن الزَّملكاني على السُّدَّة بحضرة نائب السلطنة (٩) تنكز.

وفي أوّل رمضان وصل التتر إلى الرَّحبَة فحاصروها عِشرين يومًا، وقاتلهم نائبها الأمير بدر الدين موسى الأزدكشي (١٠) خمسة أيام قتالًا عظيمًا، ومنعهم منها، فأشار رشيد الدولة بأن ينزلوا إلى خدمة السلطان خَرْبَنْدا ويهدوا له هدية ويطلبوا منه العفو، فنزل القاضي نجم الدين إسحاق، وأدوا له خمسة رؤوس خيل، وعَشْرَةَ أَباليجَ سُكَّرٍ، فقبل ذلك ورجع إلى بلاده.

وكانت بلاد حلب وحماة وحمص قد أُخْلُوْا منها وخرب أكثرها، ثم رجعوا إليها لما تحققوا رجوع التَّتر عن الرَّحبة، وطابت الأخبار وسكنت النفوس ودقت البشائر وتركت الأئمة القُنُوتَ، وخطب


(١) ليست في ب.
(٢) ليست في ط.
(٣) ليست في ب.
(٤) في ط: ابن حبيب. وهو توهم. وسيأتي في وفيات سنة (٧٢٥ هـ)
(٥) سقط من الأصل، واستدركته من أ وط
(٦) ابن خلدون (٥/ ٤٢٦) والنجوم الزاهرة (٩/ ٣٤) وبدائع الزهور (١/ ٤٤٢)
(٧) ليست في ب، والذي فيها: يريدون قصد البلاد
(٨) "الرَّحْبَةُ": قرية من قرى دمشق خربت الآن وهي على مسيرة يوم منها. ياقوت.
(٩) في ط: ابن.
(١٠) هو: موسى بن أبي بكر الأزدكشي: كانت له اليد البيضاء في قتال التتر، مات سنة (٧١٥ هـ) بدمشق. الدرر الكامنة (٤/ ٣٨٤)

<<  <   >  >>