للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجرى على يده انتخاب العدول بالحاضرة وذلك أنه صدر الإذن أولاً لكافة الشيوخ أهل المجلس الشرعي بأن ينتخب كل واحد منهم مائتين من العدول الموجودين ثم جمعت الانتخابات المذكورة عند الأمير، ومن يوجد من العدول وقع عليه انتخاب جميع الشيوخ، أو أكثرهم يثبت في العدالة إلى استكمال المائتين، ثم يؤخر عن الإشهاد ما يبقى، فكتب الشيخ جريدة بها مائتا عدل اختار غالبهم من المنقطعين للعلم الشريف، واعتمد في المشاهير من موثقي عدول الحاضرة على انتخاب بقية الشيوخ، ولما حضرت الجرائد عند الأمير نفذ انتخاب شيخ الإسلام وترك جميع الانتخابات فانجلى الحال على إسقاط كثير من رجال التوثيق من خطة العدالة، منهم الشيخ محمد بن سلامة، والشيخ الحاج محمود الباهي العريان، والشيخ عثمان الحشائشي وغيرهم، وأحس من ذلك جميع الشيوخ أهل المجلس الشرعي ونسب جميع العدول والمتأخرين أمر عزلهم إليه فتعاطته الألسن وباشره بعضهم بما يكرهه من أجل ذلك، وتحمل بثبت صبره جميع ما جرى من ذلك عاذرهم فيما أصابهم من ألم العزل، وأما المنتخبون من العدول فقد ألزمهم التقيد بمروءة العدالة ولبس شعار أرباب الوظائف الشرعية، كما الزم بذلك أهل العلم والأئمة وتشدد في إجراء ذلك حتى اتخذ الناس ذلك الأمر شعاراً وصان بذلك فضلهم وأظهر ناموس خططهم الرفيعة.

ولما ولي المشير الثالث محمد الصادق باشا بأي أمر بإرجاع أوامر جميع العدول وأطلقت الألسن بشكر فضله بسائر المجامع، فأرجها لهم شيخ الإسلام المذكور بعد أن كتب فيها انتخابه إياهم وعلى كل حال أجرى عليهم التقييد بمروءة خطة العدالة وحافظ عليه بغاية جهده.

وكان عالماً فاضلاً نزيهاً عالي الهمة خبيراً بالسياسات الشرعية وإيقاعها في مواقعها، حكيماً في وضع الأشياء مواضعها، فصيح اللسانين كريم السجية، حسن الأخلاق جميل السمت وقوراً مهاباً جليلاً، غيوراً على العلم والعلماء حامياً لحوزة المعارف، محافظاً على مروءته، شاعراً مفلقاً له نظم ونثر يزريان بتغازل الجفون المراض، في بساط الرياض، إن أطنب أعجب وإن أوجز أعجز، لشعره ديوان يزري بقلائد العقيان، لطافة وإحكام نسج واتساق معان، إلى أن أدركته المنية فتوفي ثالث جمادى الأولى ١٢٧٨ ثمان وسبعين ومائتين وألف، ورثاه الشيخ محمود قبادو بقصيدته التي أربت على ما سواها طولاً وبلاغة المثبتة بديوانه ومطلعها: [الكامل]

القلب يخشع والمدامع تهمعُ ... والقول ما يرضي الإله وينفعُ

ورثاه الشيخ سالم بو حاجب بقوله: [الكامل]

خطبٌ لركن العلم منه تزعزعُ ... ولطالبيه تفجعٌ وتوجّعُ

عمَّ المصابُ به وعمّم عهدنا ... إنَّ الهموم تهون حيث توزع

إذ أفرع النادي على أكباد أه ... ل القطر قطراً والمسامع أقمع

فالناس بين تلهف وتأسّف ... والصّبر صبرٌ لم يكن يتجرّع

حتى الحسودُ أبان من غشيانه ... ولذا غدا سنَّ التندم يقرع

خطبٌ نفوسُ المجدِ منه كئيبةٌ ... وبه لأفئدة العلوم تروُّع

وبه معاطس همة قد أرغمت ... وقفا القوافي بالغباوة يصفعُ

يوم استبى روح العلا الفذَّ الذي ... كل لعزته يذل ويخضع

واسترجع الدهر الضنين ذخيرة ... في الدين والدنيا إليها المرجع

هو ذلك الفذُّ الإمام المرتقي ... رتباً بأدناها الأحازم تقنع

الجهبذُ الحبر الوفي المرتضى ... اللذوعي الألمعي المصقع

البيرمي محمد بن محمد ب? ... ن محمد بن محمد والأربعُ

أعلامُ علم، تاجُ تونسَ لم يزل ... منهم بمحمود الخصال يرصّع

يا أيها النحريرُ دعوةُ آسف ... تخذ التلهفَ ديدناً لو ينفع

إن غاب بدرك من سما الدنيا ففي ... أوج الجنان لديه نور يسطع

لكن لحتفك عبرة بين الورى ... ولأهل ودك عبرة لا تقلع

ولفقد عدلك في القضاء فظاعة ... وعلى المعارف فقد فهمك أفظع

وأرى لسعر الشعر بعدك حطة ... وأساءُ إذ سعر الجهالة يرفع

لهفي على الكهف الذي كنا له ... نأوي فيحنو مثل أمٍّ ترضع

لا يبخسُ الفضلاءَ من أقدارهم ... شيئاً ولا وضيع منه يرفع

وشعاره الإعراض عن أغراضه ... ولديه إرجاف الوشاة مضيع

<<  <   >  >>