بعد السلام الأتم، النامي بطيب المكتم، فإن رسوخ قدم الأخوة القديمة، وحسن المعاملة التي لم تزل لحفظ حقوقها مستديمة، مما يوجب أن أنهي لجنابكم السامي وسؤددكم العظامي والعصامي أن ارتقاءكم رتبة المشيخة الإسلامية، المؤسس على دعامتي التهذيب والتبريز في الحلبات العلمية قد توفر من مسرته حظ العبد، وإن اتسعت مسافة البعد، واستوعبن الأشغال القبل والبعد، بيد أني تصاممت برهة من دواعيها، لأبث لهاته البطاقة طوية تحظيها عند واصيها، وفي ضمن تهنئكم أهنئ نفسي ثم سائر أبناء جنسي، حيث إن منى الجميع هو نمو النتائج العرفانية لذي هو ملاك الاستقامة الدينية والدنياوية وتقديم مثلكم حفظكم الله تعالى فإنه لتحقيق المنى، فما أجدره بتعميم المسرة والهنا، وأسأل الله أن يديم بحفظكم نجاح الآمال، فما أجدره بتعميم المسرة والهنا، وأسأل الله أن يديم بحفظكم نجاح الآمال، وتسديد الأعمال، وظهور آثار الكمال.
وقد لازم بعد تقلده الخطة تحرير المسائل، لكل سائل، وكتب عدة رسائل، يجري بها عذب النفع السائل، ووقفت منها على تحريرات صدعت، بأوضح التقريرات وفي كثير من تخريجاته يتبين له أنه وافق فيه ما هو مختار محرر المذهب الحنفي بالديار التونسية شيخ الإسلام البيرمي ومع ذلك يجمع ما عليه المذهب الحنفي والمذهب المالكي مما يكون به تحقيق المناط في غاية الوضوح، وذلك من سعة علومه وتوسع أنظاره في مقتضيات الأحوال توسعاً لم يشاركه فيه أحد من علماء البلاد في هذا العصر.
ومما أوقفني عليه من بدائع تحريراته رسالة في حكم الانتفاع بشواطئ البحار ومعظم الأنهار، وعندما تأملتها ورأيت حسن منزعه فيها كتبت له عليها بما نصه: حيهلا بالمحيا الوسيم، والثغر العاطر الشميم، المفتر عن الدر النظيم، من تحريرات ذي النفع العميم حجة الإسلام، ومجمع بحري المعقول والمنقول، تاج جبين الأعلام، الذي افتخرت به الفروع والأصول، البحر الخضم، المتلاطم الأمواج بالعلوم والحكم، والطود الأشم، والركن المستلم، ومن إليه انتهى التحقيق في كل ما عرض وألم، مقيم دعائم المجد والكرم، بالفضل الأعم، حامل لواء الشريعة في كل الأصقاع، وهل تخفى النار يحملها اليفاع، شمس لملة وإمامها، وفخر الأمة وعلامها، صاحب المفاخر التي لا تقف عند حد، ووارثها عن أكرم أب وجد، فرع شموس الهدى بين الأنام، ومنجب العز المحجلين من الأعلام أستاذنا الهمام، مولانا شيخ الإسلام وابن شيخ الإسلام علامة العصر سيدي أحمد بن الخوجة لازالت سيول معارفه ثجوجه، وطريقته في العلوم أكمل طريقة منهوجة، وناهيك بما أبداه من الآثار، التي شنفت السمع بالدر المختار، وأجلت لسائر الأنظار، أجنتها الدافية القطوف والثمار، من هاته الرسالة التي أوضحت حكم الانتفاع بشطوط الأبحر ومعظم الأنهار، وما شاكل ذلك من المسيلات والعيون، مما كان حكمه بين الجهابذة في زوايا الكمون، حتى تجلت هاته المسائل كالعرائس على منصاتها، وقد ضفت ظلال التحقيق على عرصاتها، واكتسب من إبداع التحرير أي جلباب، عليه رونق تحبير الآداب، بفصاحة الأنفاس، ووضوح النص والقياس، حيث جمعت جميع ما تحتاج إليه تلك المسائل على الوجه المحصول، وأحاطت بأحكامها الفرعية المؤيدة بقواعد الأصول، مستندة إلا ما جرى به العمل في هاته الديار، وتحرر عن الجهابذة الأخيار، حتى أجرى به مؤلفها النحرير من أعذب موارده، بالنقل عن المقدس والده، نقلاً مدللاً بنصوص أيمة المذهب وحفاظه، مؤيداً بمتانة فهمه وعذوبة ألفاظه، ولابدع في ذلك ما هاته بأولى أياته، وكم أظهر في غرائب المسائل لطائف نكاته، النمحبرة بتحبير تحريراته، لازال بيته ركنا في الإسلام، وهو تاج بين الأعلام، على ممر الأيام، وبما أن كرم هذا المهام أنالني حضور مائدة الإكرام، بإباحة المطالعة لهاته الآيات العظام، حتى أسمت الفكر القاصر في رياضها، وكرع من منزل حياضها، حتى أصبح نشوان من أقداح هذا الإبداع، ولك يتمالك أن حدا اليراع، في اقتحام ما ليس بمستطاع، حتى جرى في ذلك الميدان خجلاً من مقام الإجلال، ونظم ما جال في الخلد من جولان تلك الرسالة البديعة فقال:[الكامل]