للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الشيخ أحمد بن سلامة فإنه لما رجع إلى الحاضرة أقام على التدريس بجامع الزيتونة وتقدم شاهداً على أوقاف الحرمين الشريفين يوم الأحد الثامن عشر من جمادى الأولى سنة ١٢١٦ ست عشرة ومائتين وألف ولما توفي الشيخ صالح الكواش قدمه الأمير لمشيخة المدرسة المنتصرة عوضه فزانه بدروسه ولما توفي الشيخ الطاهر بن مسعود أواخر صفر الخير سنة ٣٤ أربع وثلاثين تقدم عوضه مدرساً بجامع الزيتونة بدرس مراد باي وكانت دروسه بجامع الزيتونة بين فقه وحديث مع القيام بشهادة الحرمين الشريفين غير أنها كانت سبب محنته التي أصيب بها في آخر عمره وذلك أن الأمير حسين باشا كان يبلغه عنه ما يسوؤه من ذم دولته ومدح أبناء عمه السالفين وكان يغض الطرف عن ذلك حتى اتفق أن عرضت نازلة زيتون أوصلته الوراثة للشيخ أحمد بن سلامة وهو في شركة ابن الأمير محمد باي فأراد الأمير أن يضم لابنه الجزء الذي بيد الشيخ ورام أن يرسل إليه في طلب بيعه فامتنع رجال الدولة كلهم من طلب الشيخ في ذلك متعللين بتشدده وعدم ميله فتأكد عند الأمير ما كان يبلغه فأرسل إليه وأحضره بين يديه وسأله بيع الزيتون بما يريد من الثمن فلم يتهيب أن تجاسر عليه بكلمات لا يخاطب بها الملوك بعد التمنع من البيع وتزايد أمامه في التفاوه حتى أمر بقتله فأخرج من بين يديه وترامى أحد أعيان الدولة على الأمير متوسلاً في حفظ دمه لعلمه فقبل شفاعته وأمر بعزله من جميع وظائفه وهي شهادة أوقاف الحرمين الشريفين ودرس مراد باي بجامع الزيتونة وجراية ثلاثة أرباع من الجزية ومشيخة المدرسة المنتصرة التي قد وليها بعده الشيخ محمد العذاري قاضي المحلة وأمر بسجنه ومحاسبته عما تعاطاه في أوقاف الحرمين الشريفين فأجلت المحاسبة على أن عند الشيخ أموالاً باهظة أخذ فيها جميع كسبه الذي منه جزء الزيتون الذي امتنع من بيعه وبقي ولده يجمع المال ويدفع عن والده إلى أن أصابه مرض الطاعون العام فتوفي في سجنه يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى سنة ١٢٣٤ أربع وثلاثين ومائتين وألف ورثاه الشيخ أبو عبد الله محمد بيرم الثاني بقصيدة قال في آخرها:

فيا زائراً إنْ حمت حول ضريحه ... فزوده مما كان يبديه في الدَّرسِ

وقل يا أبا العباس وابن سلامة ... عليك سلام ما بقيت بذا الرَّمسِ

وما قرأ المجتازُ قول مؤرخ ... (ليهينك ما قد نلت من أطيب الأنس)

(١٢٣٤) وأما ولده الشيخ الطيب فقد كان ثقة عدلاً تقدم لشهادة الحرمين الشريفين وامتحن بفقد ولده في حياته وتوفي سنة ١٢٧٨ ثمان وسبعين ومائتين وألف.

وأما ولده صحب الترجمة فقد ولد عام ١٢١٦ ستة عشر ومائتين وألف، وتبناه جده واعتنى بتعليمه، فأخذ عنه كثيراً من كتب المبادئ إلى أن ختم عليه المكودي على الألفية وحفظ على يده كثيراً من المتون وجلس للأخذ عن علماء جامع الزيتونة، فقرأ على الشيخ محمد بيرم الثالث علم البيان، وقرأ على الشيخ الشاذلي بن المؤدب الكفاية وشرح الشيخ السنوسي على العقيدة، وقرأ على الشيخ محمد السقاط، وقرأ على الشيخ محمد المناعي شرح الشيخ عبد الباقي على المختصر الخليلي، وقرأ على غير هؤلاء كتباً كثيرة من المعقول والمنقول حتى قرأ تفسير القاضي البيضاوي على الشيخ إبراهيم الرياحي واستجارة فأجاز له بقوله: [الكامل]

حمداً لمن جعل الإجازة سلما ... يرث المجاز بنيلها نسباً سما

وصلاته وسلامه أبداً على ... خيرِ الورى متعلّما ومعلما

ولآله وجميع أمته الرضى ... لاسيما علماؤهم لا سيما

هذا وإن الفاضلَ ابن سلامةٍ ... ذاك الذي متن الكمالَ تسنَّما

هشَّت إلى نيل الإجازة نفسه ... لما رآها للأفاضل مغنما

فمن الفقير لها ارتجى معْ أنني ... ما كنت للظمآن فيها معلما

لكنْ رجوتُ تشبهاً برجالها ... آبائنا العلماء ومن يشبه فما

فأقول إني قد أجزت له بلا ... ثنيا رواية ما يصح ليَ انتمى

من كل ما أدريه أو أرويه لا ال? ... جعفيَّ أقصد فقط أو مسلما

موصي كما أوصيت بالتقوى التي ... أوصى بها القرآن نصاً محكما

وبدعوة منه بقلب حاضر ... أرجو بها حسن الختام مكرَّما

والله إبراهيمُ يحمدُ مبدياً ... أزكى الصلاة على الرَّسول مسلّما

<<  <   >  >>