للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتصدى للإقراء فأخذ عنه كثيرون وفي سنة إحدى وخمسين أولاه الأمير شهادة أوقاف المارستان والتكية فقبل الأولى وامتنع من قبول الثانية حيث كانت ولايتها بيد الشيخ محمد المساكني صهر الشيخ الشاذلي بن المؤدب مراعاة لشيخه ثم في رمضان المعظم سنة ٥٣ ثلاث وخمسين ولي إمامة جامع سبحان الله ومشيخة المدرسة المنتصرة وخطب من إنشائه فزان بأدبه وفصاحته المنبر ولما تقدم الشيخ الخضار للفتيا قدمه المشير أحمد باشا باي قاضي المحلة المنصورة يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة ٥٣.

وكان ملازماً للشيخ محمد البحري فأخذ عنه فقه القضاء ولما توفي الشيخ المذكور وترقى للخطة جدي الشيخ محمد السنوسي تقدم صاحب الترجمة لقضاء باردو أواخر ربيع الأول سنة ١٢٥٤ لأربع وخمسين ومائتين وألف فحضر في المجلس الشرعي وعلق همته بمزاحمة الشيوخ وتكلم في المجامع العلمية.

ولما توفي جدي المذكور قدمه المشير قاضياً بالحاضرة أول شهر رمضان المعظم سنة ١٢٥٥ خمس وخمسين ومائتين وألف، وكان عالي الهمة فشمر عن ساعد الجد واستعان عل الخطة بفحول أهل عصره وجمع العلماء بداره للمسامرة على المسائل فلم يلبث أن صار فقيهاً ذا خبرة بفقه القضاء.

وصار من فحول العلماء مع ما عنده من الميل إلى الدنيا وحب متاعها وقد ساعده على ذلك البخت فتمكن حبه من نفس المشير أحمد باشا وأفاض عليه سجال نعمه وأعطاه العطايا العباسية حتى صار يدخل عليه إلى بيته بدون إذن ولا يتخلف عن زيارته ومسامرته. ولما استحكم أمره عنده استظهر بحجج جده في ذلك الزيتون الذي أخذه منه المقدس حسين باشا وطلب من المشير أن يملكه جميعه فأرسل المشير في الحال إلى ابن عمه وولي عهده محمد باي وطالبه برسوم جميع الزيتون المذكور التي على ملكه، فلم يسعه إلا أن أرسلها إليه وصدر أمر في تمليك جميعه له ولم يكفه ذلك حتى طلب من المشير استغلاله عن جميع السنين الفارطة من يوم خروج جزئه من يد جده إلى ذلك العهد وآذن المشير بتحرير ذلك من دفاتر بيوعات الزيتون وأعطاه في مقابلة ذلك كثيراً من الربع والعقار وكفى بهاته الواقعة شاهداً على نفوذ كلمته وسطوته وعلو شأنه وكان العقلاء ينكرون عليه ذلك خشية سوء عاقبته التي وقع فيها ولده من بعده لولا أن تداركه حلم المشير الثاني وذلك أن المولى محمد باشا باي لما استقل بالملك آذن بوضع اليد على جميع ملك الشيخ ابن سلامة الذي أعطاه المشير أحمد باشا باي حيث إنه ملك الدولة أخذه بدون حق وإن رجوعه لبيت مال المسلمين أولى وتصرفت الدولة في جميع الربع والعقار الذي انتزعه من ملكه وأصبح ولده لا كسب له ومع ذلك طولب بدفع ثمن ما فوته الشيخ بالمبيع وعظم الكرب بذلك لولا أن تداركت عناية الله وحلم المشير وكرم نفسه فتفضل أولاً بإسقاط الطلب فيما فات ثم اتفق أن وكيل البايليك تجاهر بالشكاية بمطالبة ولد الشيخ في المحكمة وكان ولد الشيخ جالساً بها في أثناء الكتاب فرأى المشير حال ولد الشيخ من الخجل والوجل والانكسار ووجد من نفسه ما يجد أبو الأبناء عند رؤية الخطوب، فرحم ذله وأصدر أمراً بإرجاع جميع ما كان في تصرف الشيخ إلى ولده رحمة منه وشفقة وهو أهل الفضل والكرم والله لا يضيع أجر المحسنين.

ولنرجع لما نحن بصدده من الكلام على صاحب الترجمة فنقول: إنه قد استصحبه المشير الأول في سفره لأطرف المملكة، وأظهر في ذلك السفر من البذاخة والبذل والإطعام ما لم يزل حديثه يتلى في كل جيل، كل ذلك بمساعدة مودة المشير إليه، واستحسان ما يقع منه وإعانته عليه.

ومكث في خطة القضاء نحو ثماني سنين انتهى إلى رتبة عالية في التفقه ثم إنه طلب من المشير أن ينقذه من ربقة القضاء بسبب رؤيا رأى فيها أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عتها تنهاه وتحذره القضاء وأقام في داره متعللاً بالمرض وأرسل مكتوب استعفائه وهذا نصه:

<<  <   >  >>