للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان صاحب الترجمة عارفاً بالعلوم البدنية زيادة على العلوم الدينية، وقد أقرأ ألفية ابن سينا بجامع الزيتونة، وله كثير من التقاييد الطربية، أمّا تقاييده الفقهية في النوازل التي عرضت مدة الخمس والعشرين في مباشرة خطة القضاء فقد جمع له حفيده منها ما ينيف عن الأربعين كراساً، يفني الليالي في مطالعه الفقه وتحريره وأمل الأدب فله به ولع، ونظم كثيراً من الشعر في أغراض شتى، وقد جمعت من شعره قطعة وافرة أثبتها في كتابي مجمع الدوواين التونسية، وله مراسلات شعرية مع شيخ الإسلام البيرمي الاربع منها أنه كتب إليه شيخ الإسلام المذكور يستعير منه الجزء الرابع من المعيار بقوله: [الكامل]

يا له من رقى بعلومه أفق العلا ... فسما على نجم السماء الساري

أهدي إليك من السلام لطيفة ... يذكو اريجُ نسيمها المعطار

هذا ولي أرب أروم حصوله ... من رابع الأجزاء للمعيار

فاسمح به لقضائه لا زلت ذا ... شرف وعز شامخ المقدار

فأجابه المولى الجد قدّس الله روحه بقوله: [الكامل]

وافت فأخجلت العقول وأنعشت ... محل الفؤاد وخامل الأفكار

تاهت على أهل اللسان وتوجت ... تاج البلاغة كامل الأسرار

وتقول بعد تحية منت بها ... لا غرب إلاّ رابع المعيار

فسألت ممن ذا الكمال فقيل لي ... من آل بيرم شامخ المقدار

فعلمت إرب ذوي النهى في العلم لا ... ينفّك في الإقبال والإدبار

وومنحته جزء الكتاب مساعفاً ... بسلام طيب هاطلٍ معطار

وكان شيخ الإسلام المذكر أطلع المولى الجدج على رسالة أنشأها في مخاطبة مفتي المنستير حين أرسل إليه كتباً في قفة فراسله بمراسلة أبدع فيها ما شاء وأودعها من الدعابات الأدبية ما يعز على غيره ولمّا طالعها المولى الجد قدّس الله روحه كتب إليه قوله: [الكامل]

منشي الرسالة قد أجاد وأبدعها ... فيما أتى فيها وشنف مسمعا

فهي الجواهر بل زواهر في سما ... علم البلاغة للهداية أطْلَعا

موضوعها لقب المسمى إن يرد ... تحقيره عند المنادي إن دعا

شالته إذ رفعته بعد خساسة ... فحوى الترقي للعلا واستجمعا

وكسته من حلل البها بحديثها ... عنه كساء بالجواهر رصّعا

أفضى به إبداع منشيها إلى ... تشريف ما قد كان قِدْماً أوضعا

صحفت معجمه بفقه مجيدها ... فغدا لملتمس المعارف مترعا

وصراحة الموضوع فيها قف بها ... يا من يروم إلى الصراحة منزعا

لا زال في كمد بيرم ... يعلو إلى نجم الثريا مطلعا

وحسوده لا زال في كمد وإن ... زلت به قدم يجاب بلا لَعَا

وأجابه عن ذلك شيخ الإسلام المذكور بقوله: [الكامل]

وافت إليّ لمّا أشالت برقعاً ... حتى استباحت من فؤادي موضعاً

هيفاء ترفل في ملابس حسنها ... زهواً وتحتقر البدور الطُلّعا

وتسنمت بذرى البلاغة منبراً ... فغدت لها أهل البراعة خضعا

وأصاخت الأسماعُ نحو حديثها ... فأصاب حسن اللفظ منها الموقعا

ولها جدير ذاك لما أصبحت ... تاجاً على هام الزمان مرصعا

ما كنت أحسب قبل رؤية عِقدها ... أن اليراع هوى النجوم اللمعا

هبت بها نسمات سلع رقة ... لله راقم وشيها ما أبدعا

ذاك الإمام الألمعيّ المرتضى ... من حاز من كل المعارف منزعا

أعني السنوسيَّ الهمام الأوحد ال ... حبر الجليل الأحوذي البلتعا

لا زال محروس الجناب مرفعاً ... ولكل فضل في البرية مطلعا

وكتب قدس الله روحه للأكتب الشيخ محمد المسعودي يستعير منه عدة كتب بقوله: [مجزوء الرجز]

حامل الكَتْبِ إليكم ... طالباً رقم الحلل

مع ابن زيدون به ... فاصحب رسولي إذ نزل

أما ابن بسام إذا ... سلتمه بما حمل

كنت امرأ متى سئل ... لآمل نال الأما

فأرسل اليه ما حضر من الكتب المذكورة وكتب له قطعة من شعر ابنه المؤرخ الشاعر الأكتب الشيخ محمد الباجي المسعودي وهي قوله: [مجزوء الرجز]

يا سيدا شرفني ... بنظمه السامي الأجل

ومن غدا لي مخلصاً ... في قوله مع العمل

<<  <   >  >>