أجلُّ اكتساب الألمعي عوارفه ... وغاية قدر المرء ما هو عارفه
وما الخسر إلا للذي ضاع عمره ... بلا صالحات والزمان مساعفه
أخا العقل نافس معشر العلم واتسق ... بسلكهمُ ما دام يوجد كاشفه
وثافن على فقه به يبتني التقى ... ويسمو إلى قرب المهيمن عاكفه
ولا سيّما نظم تألق درّه ... شهيد بعلياه لدى السبك شائفه
أمّا شمته علياء تاج فصاحة ... وجلباب إخلاص المصنف لاحفه
أما تلقط الدر النثير تفقُّهاً ... فهذا الذي بالصدق يحمد لا قفه
تخلله شرح فزاد نفاسة ... لتشمل ذا الفهم البطيء لطائفه
كما جمّل الياقوت صف لىليءٍ ... بترتيب دهقان غذته معارفه
متى امه حكام مذهب مالك ... هدتهم لمنهاج سويٌّ صحائفه
وما رامه صادٍ لتبريد غلّة ... بكوثره إلا تلقاه واكفه
يؤنسه تانيس شيخ محبب ... ويحميه من حر التحير وارفه
ويسقي به راحاً ولا إثم فأعجبوا ... عقار لصيد العقل يؤجر راشفه
تبلج من فكر الهمام الرضى الذي ... بأفق هدى الأحكام ضاءت مواقفه
رحيب الثنا القاضي السنوسي حاطه ... من الله رضوان تدر عواطفه
إمام لو ارتيدت حلاه لجمعها ... لعمِّر في بيدِ المحاسن واصفه
وهذا كتاب من مساعيه للورى ... وقد رق طبعاً واستطيبت مراشفه
وإذ فاح مسك الختم قلت مؤرخاً ... زها طبع لقط الدر لا خاب قاطفه
ووشح هذا الختام، بقصيدة تتضمن تاريخ وفاة الناظم الهمام، وتاريخ هذا التمام النحرير الأبرع والفاضل الأورع، المتفنن الشاعر الشيخ سيدي الحاج محمد طريفة بقوله: [الوافر]
رياض العلم ناضرة الطروسِ ... وعاطرة الأزاهر في الغروسِ
وحالية الغصون بكل نورٍ ... ودانية الجنى ليد النفوس
غدت جنات كلّ فتى أريب ... يطاف عليه فيها بالكؤوس
وفيها غادة الأفكار تجلى ... على كرسي المعارف كالعروس
وتحكم بالشريعة وهي تبدي ... لنا منها الخفايا كالشموس
بمنظوم يكاد يقول فخراً ... كفانيَ أنّ ناظمي السنوسي
محمد الذي قد حاز مجداً ... له أس يفوق على الأسوس
وأبرز من سماء الفكر منه ... شموس العلم تلمع في الطروس
همام عابر سبل القضايا ... إمام صابر في كل بوس
تقي عامل بالعلم لكن ... قد اتخذ النصيحة كاللبوس
وغيث صار روض العلم منه ... مصاناً في الزمان عن الدموس
وحبر قلبه بحر وفيه ... جوزاهر قد سلمن من النقوس
فكم قد حاز من علم وفضل ... وزهد في غنا دار النحوس
وأعمالٍ تأرخّها عليها ... رضى الرحمن في يوم الوكوس
أما التقطت رويته اللآليء ... فأغنت كل ذي قلب يئوس
أما أبدى النوازل في نظام ... يهزّ قلوب أرباب النفوس
كأن بيوته فيما حوته ... كؤوس قد ملئن من الخروس
فيا لله من نظم معين ... على الإفتاء وإقراء الدروس
به حادي المعارف قد تغنى ... وشيطان الجهالة في خنوس
يحق لطالبيه أن يعضّوا ... عليه بالنواجذ والضروس
وأن يدعوا لناظمه بخير ... وبالرضوان في يوم العبوس
وأن يثنوا على الحبرابنه الّذ ... أدار عليهم أسنى الكؤوس
وأتحفهم بما ملكت يداه ... من الجد المؤرث للنفيس
عليهم إن يكونوا أنصفوه ... برفع مقامه فوق الرؤوس
وإن هم عرّفوه أن يقولوا ... هو المحيي الفخار إذا تنوسي
وإن ذا الطبع منه استحسنوه ... يقولوا لا رمته يد البؤوسي
وإن هم أرخوه أن يقولوا ... عقود الدر قلدنا السنوسي