وقد نظم فيما به العمل من مذهب مالك أربعة آلاف ومائتي بيت من الرجز سماه لقط الدرر، ذكر فيه فروع المسائل مبسوطة الخلاف مع بيان ما به العمل معزوة لمحّال أنقالها ونقل عنه الشيخ محمد بن سلامة في رسالته التي ألّفها في معاوضة حبس القنديل بحيث إنّه نظم في غاية التحرير غير أن الشيخ تركه مسودة وجمع شمله من بعده حفيده بمباشرة الشيخ أحمد بن حسين وأضاف إليه بعض تلك المسائل مما وجده في تقاييد الناظم فكان تأليفاً من أعز ما يقتنيه القاضي أو المفتي وقد طبع بالمطبعة التونسية وكتبت عليه قولي: [الوافر]
لمذهب مالك فضل الشموس ... تريك الرشد في طي الطروس
وتهدي للشريعة وهي بحر ... حباك بدرّه القاضي السنوسي
ولما نجز طبعه كتبت في ختامه بما نصه: من شآبيب فضل الكريم الوهاب، نستمطر أسكوباً ومن محض عنايته التي نبلغ بها إلى غاية الآداب ننال من الآمال مطلوباً، ذلك بأن الله ذو فضل عظيم فنحمده جلّ ذكره، وتعالى عن أن يوفى في العالمين شكره، حمداص يعبق بزيادة النعم نشره، ويعم سائر الحامدين بشره، وأنّى للعاجز أن يقوم بواجب حمد من خلق السماوات والأرض وما بينهما وهو الخلاق العليم. ونصلي ونسلم على من أرسله الله بالدين الحنيف وأيّده بالمعجزات المؤذنة بمزيد التشريف، وعلى آله وأصحابه الغنيين بفضلهم عن التعريف، ما اهتدى بهم مقتد فيما يتجمل به كل عامل عفيف، من أصول الشريعة وفروعها التي اهتدوا بها إلى الصراط المستقيم.
أما بعد فيقول حفيد ناظم لقط الدرر، ملتزم طبعه حتى صار عيناً بعد الأثر، العبد الراجي من عطاء الحمن، مواهب الامتنان، محمد بن عثمان بن محمد بن محمد السنوسي بن عثمان إن أهمية علم الأحكام، من شرعة الإسلام، لا يخفى نورها على بصير، وما ينبئك مثل خبير، لا سيّما كتب الأعمال، التي يمكن للقضاة والمفتين أن يبلغوا بالاعتماد عليها إلى غاية الآمال، ولذلك التزمت طبع نظم لقط الدرر، مع ما وجد في تقاييد ناظمه من الحواشي والطرر، حيث احتوى على أربعة آلاف بيت ومائتين واثنين وعشرين بيتاً في النوازل التونسية، وضبط ما جرى عليه العمل في محكمتها الشرعية السنية، على مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه نظم المولى الجد السنوسي بن عثمان، متعه الله بنعيم الجنان، والفوز بالنظر إلى وجه الرحمن بعد أن باشر القضاء نحواً من خمس وعشرين سنة، واستعمل في القيام بحقوقها ما أمكنه فجاء نظماً بديع الضبط والعذوبة التي يكاد يحفظه بها سامعه حين يرويه، ويرغب في مطالعته كلّ متثبت في دينه عالم بقدار ما أودع فيه وقد أبدع العالم الماجد النحرير الشيخ سيدي محمد جعيط إذ كتب عليه قوله: [الطويل]
حوت دررَ الأحكام أصداف قولها ... وذي جنّة الأفكار تبدو لمن نظر
فناظمها بحر العلوم محمد ... ولا غزو أن البحر يقذف بالدرر
فكان من مفاخر البلاد التي يرغب فيها كل ذي غيرة دينية وحمية وطنية من الأفراد وكم للبلاد من مفاخر يضيق الفضاء عن نشرها بقيت في خدور سترها ولكن مقاليد التيسير بيد الحكيم الخبير ولا شك أن طبع هذا الكتاب مما يقع موقع الاستحسان عند ذوي الألباب وقد أبدع العالم النحرير والدراكة الشاعر الشهير المدرس الشيخ سيدي محمد الخوجة فيما كتبه في هذا الموضوع وهو قوله: [الوافر]
لمجدك أيّها العلم السنوسي ... دلائل أصبحت مثل الشموس
ومن تلك الدلائل ما تبدّى ... لجدك ذلك القاضي السنوسي
جمال المصر مفخرةٌ همام ... تحلّي فضله جيدُ الطروس
وحسبك من مفاخره نظام ... غدا للفقه كنزاً من نفيس
يبين ما به الفتوى وهذا ... لعمري قد غدا سؤل النفوس
فلا عجبٌ إذا ما لقبوه ... بلقط الدرّ للنظم النفيس
لقد أبداه للعلماء غيثاً ... كثير جوزي من رئيس
وقد نجز بحمد الله طبعه بمطبعة الدولة التونسية، خلع الله عليها ملابس الفخر السندسية، بعد إعمال الجهد في تصحيحه والتحري في المقابلة بخط الناظم وإن لم يشمله بتنقيحه في منتصف شعبان الأكرم من عام ١٢٩٧ سبعة وتسعين ومائتين وألف وقد أرّخ إنجاز هذا الطبع الجميل الصنع التفنن الماجد الفاضل النحرير المعز الشيخ سيدي محمد المكي بن عزوز بقوله: [الطويل]