للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما أبنيته الفائقة فأولها بناؤه لدار باردو المعمور ثم بنى الأبنية الفائقة في قصر البرطال الذي حول باردو وسماه القصر السعيد فأبدع إحكام بنائه ونضد فرشه، وسكنه أواخر سنة ست وثمانين ورضع جبهته بعد ذلك بسراية فاخرة سماها مقر السعادة، فكان من أعظم أبنية البلاد، وكذلك أبنيته التي شادها بحلق الوادي فقد شيد به السراية وأحدث بيت البحر من أضخم البناء وأروقِه وأحيا جامعه وأقامه أكمل إقامة بعد تجديده، ومن ذلك تحسينه لبناء جامع باردو وفتح بابه الضخم وبناء سوق القصبة والعلو الباذخ الذي قبالته على دار المولى حمودة باشا المرادي التي عاوضها حمودة باشا الحسيني في غرة شوال سنة تسع عشرة. وجدد بناءها على الوجه الأتقن، وبنى حولها سوق الباي المشهور فكان هذا العلو الصادقي كالتاج على جبهة ذات الجمال وتسمى اليوم بسراية المملكة. وبنى زاوية الشيخ سيدي محرز بن خلف البناء العظيم وشيد قبابها الهائلة البديعة النقش بعد أن جدد بابه الخارجي سنة تسع وسبعين وجدد قبة زاوية الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي وأحضر لها عملة نقش حَديدة فأتى بها أغرب صنع وقع في البلاد وأتم تجديدها سنة خمس وتسعين في أعلى شاهد على دقة مصنوعات البلاد وعلو همة صاحبها فمن علم منه هاته المآثر الجمة والمفاخر المهمة، صح له أن يلقبه "بفاتح عصر التمدن في البلاد التونسية". فقد باشر الحكم بنفسه بإنصاف وتحر فيه وتثبت مع كمال فطنة واستحضار النوازل وما سبق فيها، وشدة التحري في قتل النفس بحيث إنه لا يأمر بالقتل إلا بعد حكم الشرع العزيز، ولربما بذل من عنده الفداء إلا إذا تشدد أولياء المقتول في طلب الاقتصاص، وبالجملة فإنه فارس المحكمة ولذلك جميع أصحاب النوازلط يترصدون بنوازلهم يوم حكمه الفصل، وله أعظم حزم في الذب عن حقوق المملكة والاعتناء بحفظ الدين يليق بعراقة مجده وغيرته على مملكة آبائه وأجداده.

وله شغف بحب الأولياء وتعظيم الأشراف والعلماء واعتبار أعيان المملكة حتى خلد بذلك أعظم مودة له في نفوس جميع الأهالي.

ومع ذلك قد حصل بعناية الله على تحسين حال المملكة وتقديم أهلها إلى مسالك التمدن حتى أصبح في خفض عيش وحسن تمتع ببلوغ الآمال. يسكن القصر السعيد حول باردو وأغلب السنة عدا زمن الحر في المصيف فإنه يسكن في سراية حلق الوادي وبيت البحر. وقد خرج أواخر عام ثلاثة وتسعين في زمن الثاء إلى حمام الأنف وأحدث به هالك أبنية.

وأقامت العساكر النظامية حول أبنيته في أخبيتهم مدة تلك الإقامة، ولما ورد وارد إقبال رأس العام وهو مقيم في تلك المنازه هنيت جنابه بقصيدة سميتها "مورد الهناء المعين. بعام أربعة وتسعين" فقلت: [الكامل]

عام انتزاه الصادق المنصور ... وافى ببشر ليس بالمحصور

فأتى إليه وخلفه الأعوام سا ... عية لمعهد فضله المشكور

كل لعزه وافد كي يلتقي ... بجمال طلعته ممر عصور

لكن هذا العام جلى بينها ... فأتى كإخوته ممر عصور

وسترتقي من بعده الأعوام في ... درج اقتباله في أجل حبور

إذ أنه الملك الذي أحيا لنا ... ربْع المعارف بعد محض دثور

إذ أنه الملك الذي أسدى لنا ... نعماً تريه سعادة المقدور

إذ أنه الملك الذي أيامه ... قد أطلعتْ في الفق خيرَ بدر

إذ أنه الملك الذي قد ضُمِّختْ ... أخبار دولته بطيب عطور

إذ أنه الملك الذي قد سددت ... أعماله فأباد كل فجور

إذ أنه الشهم المشير المرتضى ... مجري سيوب الفضل مثل بحور

الصادق العَلَم الحسينيُّ الذي ... به تونسٌ حيطت بأعظم سور

فهو المسَهِّد جفن عدل آمن ... به كان حفظ الغافل المغرور

حاط المحاكم والشعائر والمعا ... رف والزروع بغير ما منشور

فغدا براحة مأمن الأهلين في ... نِعَمِ الهناء يجر ذيل فخُور

وارتاح راحة حازم ما سيم غي ... ر حراس صارم رأيه المشهور

يفْري مضاءُ غُرابِه الدُّهْمَ التي ... هالت بصعب مبْهَم منكور

فالتاج للأمن المحيط بمنزه ... يزهو بفاضل ذيله المجرور

وسعى له بحلي تهان جملة ال ... أعيان زاهية بيمن خُيور

فكان يوم وصوله عيد الهنا ... وكأن وفده مجمع المحشور

<<  <   >  >>