وقد كساه وحسّنه أمير المؤمنين يحيى بن المستنصر الحفصي ووقع الفراغ من كسوه سنة ست وسبعين وستمائة.
وفي عام ستة عشر وسبعمائة أمر السلطان زكرياء الحفصي بعمل عوارض وأبواب من خشب لبيت الصلاة وكتب تاريخ ذلك في أعلى باب البهور ثم إن السلطان أبا عبد الله الحفصي أنشأ فيه المقصورة التي بابها مما يلي صحن الجنائز. وأوقف بها كتباً جمة وبنى السبيل الذي تحتها على رأس المائة العاشرة وجعل النظر على المكتبة لإمام الجامع يومئذ الشيخ محمد بن عصفور.
ثم إن الأمير محمد باي المرادي شيد منه أعلى صومعته وسقَّفها وأدار بها السياج المحيط بها، ووضع الرخامة لتحرير الوقت وكتب عليها اسمه ثم إن إمام الجامع الشيخ محمد تاج العارفين البكري بنى في صحن الجامع المجنبة الشرقية في ذلك العهد وكتب اسمه في سقفها.
أما التغيير في سقف الجامع وأبنيته فقد وقع بكثرة وقد أدركت تغييراً كثيراً من سقف بيت الصلاة وسائر بناء مجنبات الصحن وسقفها وبناء صحن الجنائز وسقفه إلى غير ذلك من الإصلاحات الجارية.
وقد أحدث به أميرنا المشير الثالث بيتاً بالمقصورة المسماة مقصورة النواورية المشرفة على الطيبيين وكان وضع البيت المذكور لخصوص اجتماع المشايخ النظار بجامع الزيتونة للمفاوضة في الأعمال العلمية التي اقتضاها الترتيب السابق الذكر.
ولم يزل أهل البر يوقفون على هذا البيت المعظم الأوقاف المعتبرة لإقامة شعائره وإيقاده وتحصيره على أكمل وجه.
وهو قائم الشعائر بإقامة الخميس والجمعة والعيدين على مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه. ومع ذلك تجري به الدروس العلمية سائر أيام الأسبوع على ما سلفت إليه الإشارة في ذكر اعتناء الأمير بالعلم وأهله.
أما أحزاب القرآن العظيم التي تتلى به كل يوم فهي كثيرة على نوعين: منها ما يتلى عن ظهر قلب بقراءة حزبين في كل يوم بحيث يكون تمام الختمة بشهر. ومنها ما هو بقراءة الأسفار بحيث تختم الختمة كل يوم وهي أحزاب أقامها أربابها من أهل البر بأوقاف جارية على من يتولى القيام بها من القراء، ونظر أغلبها إلى إمام الجامع.
وأعظم هاته الأحزاب حزب الأسبوع، وهو يقرأ تلاوة بعد صلاة الصبح كل يوم وقراؤه منقسمون إلى سبع دول كل دولة يحضر قي قراؤها يوماً من الأسبوع يقرؤون به سبعاً من القرآن العظيم أقام المحراب تلاوة، وتمام الختمة يحصل يوم الجمعة من كل أسبوع وعليه أوقاف لها بال ولا يتقدم للقراءة إلا من يشهد بحفظه شيخ مشايخ تلك الدول بالتلاوة بين يديه وأخذ التقديم منه بعد الحصول على تذكرة الأمير.
وأما بقية الأحزاب التي بالجامع فهي ثلاثة أحزاب بعد صلاة الصبح، وسبعة أحزاب قمل الزوال، وثلاثة أحزاب عند الزوال، وستة عشر حزباً قبل صلاة الظهر، وخمسة عشر حزباً بعدها، وثلاثة عشر حزباً بعد صلاة العصر، وحف بان بعد صلاة المغرب عدا تجويد شيخ الختمة وصاحب سجادة الجامع على كرسيه قبل الصلاة نسأل الله أن يديم عمرانه بدوام ذكره.
وحيث إن هذا البيت اختص بالمزايا الفاخرة، كانت خطة الإمامة به من أعظم خطط البلاد زيادة على تعظيمها الشرعي. وقد تقدم لها من جهابذة علماء الدين وحفاظ المذهب المالكي وصالحي الرجال أعيان كثيرون منذ صارت حاضرة تونس مستقراً لسلاطين إفريقية وأمرائها، وذلك أواسط المائة السابعة من الهجرة على ما سبق ذكره في صدر المقدمة.
وهنا نقدم على المقصد أنموذجاً في ذكر من ولي هذه الخطة الجليلة من خطباء جامع الزيتونة وأئمته منذ ذاك التاريخ رضي الله عنهم أجمعين فممن ولي هاته الخطة قاضي الجماعة: ١ "الشيخ إبراهيم بن عبد الرفيع" واتفق مدة ولايته أن جُدِّد السقف الذي تحته منبر الجامع، فأمر بتغطية ذلك الموضع بالحصر، وخطب فقام أبو علي القروي منكراً على الإمام خطبته بدون سقف وأغلظ عليه في القول بين العامة فأمر به فسجن. وعان ابن عرفة يقول ليس من شرط الخطبة أن تكون تحت سقف إذ ليس من شرط الجامع أن يكون مسقفاً كله فلو خطب الخطيب في الصحن جاز.
٢ وقد تأخر الإمام ابن عبد الرفيع عن الخطبة، ثم وليها العالم الصالح "الشيخ هارون الحميري" فكان إماماً وخطيباً ومفتياً بعد صلاة الجمعة بجامع الزيتونة إلى أن توفي في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وسبعمائة.
٣