وقد زرنا هنالك رياض الصالحين كأيمة باب نافع والجناح الأخضر وغيرهم لا سيما ضريح حفيدة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنة سيدي عبد الله التي أتى بها من ابنة جرجير ملك إفريقية حين قتله وأخذها رضي الله عنهم أجمعين وعند زيارتي للجناح المذكور قلت: [الكامل]
القيروان أعز طير أفخرِ ... في أرض إفريقية فكنِ الدَّري
إذ كان رأسَ فخاره (البلويُّ) من ... قد ضم شعراً للرسول الأكبر
وفؤاده سحنون ثاويها الذي ... أحيا مدارك مالك بتدبر
وأوى جناحاه مضاجع سادة ... بالعلم والأسرار مثل الأبحر
وإذا أراد الله خيراً بامرئ ... أبداه من ريش الجناح الأخضر
وقد أنعم الله علينا هنالك بالتلذذ بزيارة صاحب الفضل العلوي الصحابي المقرب سيدي عبد الله بن آدم البلوي وعندما دخلت لمقامه أول يوم أنشدت بين يديه قولي: [الكامل] ?حياك ربي أيها البلوي من=قد حاز شعر المصطفى في مضجعه
قد كنتَ من أصحابه الأنصار في ال? ... غزوات مثل الليث حلّ بمربعه
هذا نزيلك نفسه ملآنة ... بمآمل ترجى بكم في مرجعه
فاملأ حقيبته بما يقضيه جا ... هك إنه لا يكتفي من منجعه
وزيادة على الزيادة اليومية التزمت المبيت عنده في كل ليلة جمعة حتى اتفق لي أن اشتد المطرفي بعض الجمع فخرجت إليه ليلاً على حاله اشتداد الوحل، وأنشدت بين يدي ضريحه قولي: [الطويل]
أبا زمعةٍ جئناك في حالكِ الدجى ... وقد حالت الأوحال دون زيارتكْ
فحاشاك أن لا تمنحنّي مؤلا ... وهذا مفاز الأمن في قرب ساحتك
وقد ألهمني الله أن أقرئ عند ضريحه شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلك المدة فأقرأت صحيح الترمذي دراية إلى أن أدركني الرحيل وقد كدت أن أبلغ إلى النصف أتممتها رواية وأنشأت يوم الختم دعوات تلوتها في ذلك المقام لعله مما يحسن بنا أن نورده في هذا النظام، وقد كان أحد جلة العلماء هنالك كاتبني بتذكرة بها يستدعيه بعد أن سمعه في الختم على الوجه الذي يرتضيه وصورة ما كاتبني به ذلك الفاضل.
الحمد لله السلام على جليل مقامكم ورحمة الله وبركاته وبعد فالمطلوب من فضلكم إرسال الدعاء الذي ختمتم به أريد نسخه بقصد التبرك ويرجع لكم إن شاء الله ختم الله لنا ولكم بالسعادة. والسلام كاتبه حمودة بوهاها.
وهذه صورة الدعاء المذكور، بما تضمنه من المنثور حيث كان آخر ما تضمنه ذلك الصحيح المشهور.
إن هذا الحديث دين فانظروا على من تأخذون دينكم فقلت: سبحانك اللهم بك التوثيق في أخذ هذا الدين، عن الأيمة المهتدين، من الصحابة والتابعين، وعليك التوكل في القيام بأعبائه، وإليك الالتجاء في التأهل لنشر لوائه، الذي أنت الإله المنفرد بالألوهية في عالم الملكوت، المتقدس بما له من الجبروت واللاهوت، تقدست صفاتك وأسماؤك، وتعاليت عن أن تأويك أرضك وسماؤك، حيث كنت أنت الملك الجليل، ولم تزل أنت حيث كنت في أزلك ليس لك شبيه ولا مثيل، تنزهت بوصفك أنت الرحيم وعظمت آلاؤك فلا يوفي حق شكرها كل عليم، لا إله إلا أنت الرب المنعم بجلائل النعم ودقائقهن ضلت الأفهام في مفاوز شكرك وطرائقهن فنحمدك اللهم حمداً يوافي نعمك ويكافي المزيد، ونستمد من فضلك على نبيك صلاة دائمة لا تنقطع أبداً ولا تبيد، فهو الرسول الذي خصصته بالخلق الكريم والخلق العظيم، وهديت به إلى الصراط المستقيم، أبرزته لعالم الوجود، وإن لم تزل روحه الزكية في عالم القرب والشهود، وأكرمته بشمائل أعجزت الوصاف، فحاوروا في مهامه إدراكها واحتسبوا الإذعان والاعتراف، فهو درة العالم التي ليس لها ثاني، وخيرة بنيء آدم الذي أنزلت عليه سبعاً من الثماني، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.