للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واجتل الكأس بين ورد وآسٍ ... وشقيق بدا كخدّ الغواني

واغتنم فرصة الربيع وواصل ... بنت فكر أتت من القيروان

تسلب العقل والفؤاد بوجه ... وبطوف در منضد وجمان

إن تدر كأسها تر القوم صرعى ... من سلافٍ رحيق تلك المعاني

كيف لا وهو نظم تلك المعالي ... اوحد العصر شمس هذا الزمان

ولما كان ثالث ربيع الأنور وفدت إلى الحاضرة التونسية آيبا يحدوني الشوق إلى بلادي، التي كنت عنها غائباً فرجعت راضياً من قومي وأنا أفضل عن الأمس يومي:

[البسيط]

وما أصاحبُ من قوم فأذكرهمْ ... إلا يزيدهمُ حباً أليّ همُ

وبذلك انتظم شملي بإخواني، الذين ارتضعت معهم أفاويق الأخلاق التونسية في سري وإعلاني، فاتصلت منا الأجسام، وحظي كلنا بغاية المرام، تبين لنا أن أيام السفر إلى تلك الجهات، قد أفادتنا يمن تلك الزيارات، ومعرفة أولئك المخلوقات وعرفنا به فضل الحاضرة عما سواها.

ولكن تبلغ نفسي بذلك إلى غاية مناها فإني إنما لي الأمل في الخروج إلى غير هذا العمل فيا ليت القدر يساعف بقطع الممالك الأوربية، والنظر في عوائد التمدنات التي لم نبلغ منها غلى نيل مزيه، والأمل في الله أن ييسر لنا السفر إلى جزيرة العرب للحصول على حج بيت الله الحرام، والفوز بزيارة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، تكون تل خاتمة الأسفار، وإنما يعنيني أن أقيم في بلادي بين هاته الديار، التي هي في نظري من أعز الأمصار، نسأل الله أن يحيطها بسياج الأمن المحيط، وأن يرقيها في مدارج الحضرية ويعز فيها محل خليط. وحين استقر بي القرار في بلادي، وبلغ بذلك إلى غاية مرادي، راسلت جناب أستاذي وعمدتي وملاذي، العلامة النحرير، الفاضل الشيخ سيدي سالم بو حاجب حيث إنه مقيم بقرنة من عمل إيطاليا في بعض مهمات الدولة وأعلمته بإيابي وأرسلت له بعض تحف ذلك السفر وكاتبته بما نصه: [لكامل]

عوجي بقلبي يا نسيمات الصَّبا ... لأفوز من حمل التحية بالحبا

إن كنت مثلي بالفؤاد عليلة ... ووددتِ أن تلقى بذاك ماربا

فاستورف الأظلال في بلد على ... زهر الخمائل أن تفتح في الربى

واستورف التضميخ كم بأريجه ... تبيح من يلقاك مسكاً مطيبا

واستقص ما أن نلت منه بغاية ... تلقى من الآمال أمراً معجبا

وابد اللطافة والظرافة عندما ... تهدي سلامي للهمام محببا

علمِ العلوم أبي النجاة المرتضى ... بمفاخرٍ ومكارمٍ لن تحسبا

فهو الذي أرواحنا تاقت له ... فتطايرت تبغي إليه المذهبا

ترجو بذاك لقيَّ مجدك سالما ... في رغد عيش بالممالك أخصبا

حيتك عوار الصدر يا أبا الروح، وضاحكتك ثغور السعود كلما تغو وتروح، وضمتك بأريج الاشتياق شذايا مودتنا التي لا تزال بحمد الله من أدواحنا تفوح، فهذا اشتياقي قد تناثرت أزهاره من طول الفراق، فهل من سبيل إلى التلاق، فإن البين أتى على أفئدتنا فطارت في أثركم، حيث لم ترض بما نتلقاه من محاسن خبركم، وأنى للنفس أن تكتفي بذلك ممن لم تستطع مزاياها أن تجلو كمالاته بحلاها ولا سبيل إلى تسلي العين عن إنسانها فإنك أدام الله عزك عين إنسان الكمالات وإنسان عينهأن أسير نفوس أبنائك على طول بنيهأن داركة المعقول والمنقول، لخبير بأغوار الفروع والأصول، كشاق دقائق العلوم، ومجلي خفيات الفهوم، إمام أيمة المعارف، المتخلي من مفاخره في أعز المطارف، محيي النفوس بدماثة الأخلاق وراض النفوس ثالث السعدين، المستظهر بمكارمه على القمرين النيرين، العالم العلامة، والحبر الفهامة، المبرز في مضمار كل مناضل، الهمام النحرير الفاضل، من له حاجب وليس له حاجب والدي الشيخ سيدي سالم بو حاجب أدام الله له الحفظ والأمن والسلامة، في الظعن والإقامة.

<<  <   >  >>