بمعيشك في رياض الهوى أيها النسيم، تحمل ما عليه الفؤاد قد انطوى مما لعلك تؤدي به تحية ابراهيم، وإن كنت قد صافحت رياض اللهو عليلأن ومررت على خمائلها بليلأن فضعفت عن حمل تحية يؤدي حملها سر التعظيم والتبجيل، ويبقى حديثها يرويه جيل بعد جيل، فإني لأستحملك من سر الوداد ما تتضمخ به الأردان، في القرب والبعاد لتتلقى من فتيق مسك المودة ما لم يزل في الفؤاد كامنأن وتدخل به مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنأن فهذا مقام ابراهيم الذي وفى، وأبان من مفاخر بيانه آية لاتخفى، فقد رفع العوائد في شعره البديع من كل بيت، وأحيا صريع الغواني بعد أن كان أشهر ميت، فيا لله دره حيث أبدع المعاني وأحكم بيانها ترصيعاً وأفصح عن دقائق لم يحط واحد بها تعريفاً فكان فصيح اللسان والقلم، إن نثر أو نظم، بليغ الإرسال، العذب السلسال، وناهيك بماله في ثمرات الفنون، من الدر المصون، والجوهر المكنون، الذي قد قره لجميع العيون، وكم دار رائد أفكارنا تلك الثمرات، فأصبح يستظهر بالآيات البينات، ولئن جاء كما شاء الفؤاد مقبولاً لطيفاً (فإن محمداً قد اتبع ملة ابراهيم حنيفاً) . أما المودة فقد تخللت سويداء الفؤاد ولن تجد عنك تحويلأن ولا غروان كان ذلك فإني قد اتخذت ابراهيم خليلأن فدم أيها الخليل، مفخراً للوداد تحيي سنة الخليل، وتعيد بعلمك حديث سيبويه والخليل، ونحن مع ما لكم عنا من البعاد، قد رأينا مقرك في الفؤاد، ولو علمنا أن ابراهيم لايخاف حر النار، لنقلناك من الفؤاد الذي نار اشتياقه إلى لقياك لازالت ذات إشعار، ولكن فقد علمنا ما اختص به مقام ودكم العظيم، فقلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم، فمهلاً على محب قد أصيب من بعادكم بما يكفيه، وأرفق من فضلك بقلب تملأه الحب حتى أحلك فيه، أو لم يكفك ذلك حتى أرسلت من عسال بنانك، وأسحار بيانك، بالغادة السحاره، والكاعب المختاررة، التي غطت على السمع والبصر، واستولت على ما بقي في عقولنا من الأثر، فأصبحت تزهو بطرر منساتهأن وتبث منا بالنهي في حركاتها وسكناتهأن وتعد ذلك من حسناتهأن حتى نبهتنا بالحدق النواعس من تحت ليل طرتها البهيم، فعلمنا أنها عذراء كلمتنا بصوت رخيم، من مقام ابراهيم، مجهزة الخصر تجر من ترفيلها ما كانت به أثوابها مذالة، فكان تذيلها على نخوتها أي دلالة، وحين تحققنا أنا من بيوت ابراهيم التي رفع منها أبدع القواعد، دخلنا لها من باب السلام وطفنا حول هاتيك المشاهد، وتلقينا هاته المنة بالإجلال والترحاب، وقابلناها من بنات أفكارنا بهذا الكتاب، آملين من أبيها حسن القبول، وإدامة تواصل الوداد على وفق المأمول، والأمل في الله أن يجمع بين أشباحنأن كما جمع بين أرواحنأن والجسد مطية الروح، للتنعمات الحسية كلما تغدو أو تروح، نسأل الله أن يديم لكم الأمن والعافية ويسبل على الجميع برود لطفه الضافية وييسر تواصل مقولتي الأين بدون أين، حتى تبلغ بذلك إلى قرة العين، بجاه الحسن والحسين في ١٧ ذي الحجة سنة ١٢٩٧. الداعي خادم العلم الشريف بجامع الزيتونة محمد السنوسي، منشيء الرائد التونسي.