وأسفرتِ الأيام عن وجه بشرها ... كما أسفر المحبوبُ عن وردة الخد
ذكرتُ بذا عهد الصَّبا وغرامه ... وما قد رشفنا في الثغور من الشهَّد
رعى الله تلك الغانيات ولا أرى ... سوى أنهنَّ الحورُ من جنةِ الخلد
لهن جبينٌ كالصباح بياضه ... يلوح سناه تحت فاحمِ مسودَّ
وحاجبهن السيفُ لكن إذا جنى ... فليس قصاص يلزمُ الحرَّ في العبد
وقد نثر الخيلان من حبر عنبرٍ ... بديع جمال لك يكنْ خطّ بالأيدي
لك الله ما أحلى التغزل في الهوى ... وأحسن منه مدحة العلمِ الفرد
إمام أغر الوجه كالشمس في الضحى ... وكالزهرة الحسناء في دوحة المجد
إمام إذا ما كنت في روض درسه ... رأيت نفيس الدرَّ ينظم في العقد
إمام لوَ أن الله يهدي بنوره ... لكن جميعُ الناس من نوره مهدي
ترى رأيه كالسيف في كل حادثٍ ... ورأى سواه لا يعيد ولا يبدي
له رتبة لو حاول البدر نيلها ... لكانت عن الإدراك في حيَّز البعد
غدا مثلاً بالحلم والعلم والتُّقى ... كمالك والبصريَّ كالأحنف السعدي
ألا يا أبا إسحاق والفاضل الذي ... مزاياه قد جلَّت عن الحصر والعدَّ
إليك من السحر الحلال قصيدةً ... تأنق في إتقان صنعتها جهدي
خدمت بها يوم الختام لعلني ... أقابلُ بالرضوان منك وبالودَّ
ودمت مناراً في الشريعة هادياً ... تبلَّغُ من كل المنى منتهى القصد
وقرظ هاته القصيدة الداركة النحرير، وعلم الفتيا الشهير، المؤلف المشكور، الشريف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، بقوله: [الطويل]
أحنُّ وأصبو كلما هبَّ من نجد ... نسيم برياه يفوق شذا النَّدِ
يمثل لي تلك الأباطح والربى ... وعهداً مضى يا حبذا ذاك من عهد
فهاج لي الشوق الأثيل ولم اكن ... سلوت ولكن زاد وجداً على وجد
سقى الغيث هاتيك الخيام وأهلها ... وإن أضمروا هجري ومرُّوا على الصَّدَّ
لهمْ مني الحب الصدوق ومنهمُ ... على مرّ أيام النوى كاذبُ الوعد
أيا حادياً يحدو المطيَّ مرنما ... ترفق إذا ما جئت حيَّ بني سعد
بلغت المنى بلَّغ إلى غاية المنى ... تحية صبَّ في لهيب من الصد
وناد إلى ليلى وقل صادق الهوى ... مقيم على ما تعهدين من الود
زريه ولو بالطيف في سنة الكرى ... نعم ما الكرى يستام مقلة ذي سهد
بكمتُ لساني يوم حمّ فراقها ... فلم يجر في مضمار مهل ولا عقد
وأصممتُ سمعي بعد طيب حديثها ... وليس استماعي فير ذاك من الرشد
فاسمعني بالقهر قول مبشَّرٍ ... تبلَّج في أفق العلا طالع السَّعد
تطلَّبتُ ما تحت البشارة فانجلت ... لوامعُ درَّ في بهيَّ من العقد
كؤوسٌ من الراح الحلال ياديرها ... على حانة الأسماع "نابغة الجعدي"
تضوَّع منها المسك لمّا تضمنت ... أحاديث فخرٍ عمّ من غير ما حدَّ
ختامٌ به الخضراء فازت وهكذا ... بفضل أبي إسحاق تسمو إلى الخلد
فخار بني الدنيا وذخر ذوي التقى ... وأعلمِ من تحت السماء بلا جحد
مآثره سارت سرى الشمس في الملا ... مفاخره من دونها منتهى العدّ
له الله من ختم وددت لو أنني ... بذلت له ما كان عندي من جهد
وإن فاتني ذاك الفخار فإنني ... علقت من العلياء بالجوهر الفرد
أبا الحسن الأسنى إليك خريدةً ... من السحر إلا أنها خالص النقد
خدمت بها علياك دامت بجودها ... وذلك عند الألمعي غايةُ القصد
ولما ختم شرح السعد التفتازاني على تلخيص القزويني، هنأه أحد تلامذة الدرس، وهو شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الرابع، بقوله: [الكامل]
جسمي بأشواق المحبة صالِ ... متفرَّق الأعضاء والأوصالِ
والنفسُ مني قد غدت مشتاقةً ... ترجو لذيذَ مودةٍ ووصال
والوجد زاد لبارق قد بان من حي الحبة منتهى الآمال
والدمع جاد بوابلٍ من مقلة ... ليست تحل بكثرة الإرسال
يا عاذلي هوَّنْ عليَّ فإنني ... لا عذل ينفعني بكل مقال
إني شغفتُ بحب ذات فواترٍ ... تعني بما تبدي عن الجريال