فالقد غصنُ البان غار لحسنه ... والوجه فيه بديع كل جمال
رامت تضاهي حسنها شمسُ الضحى ... فتداركت ما قدج جرى في الحال
تلك التي قد أشعلت نار الهوى ... بفؤاد صب للقا محتال
وهي التي تركت ميتم حسنها ... في حبها متراكم الأهوال
وسبتهُ نفساً ما لها ذنب سوى ... تأميلها لتآلف ووصال
عجباً لها أتسوءه ولقد غدا ... متشبثاً بحواشي الأذيال
أذيال إبراهيم من قد أعلنت ... بمديحه كل الورى بكمال
ذاك الإمام العالم العلمُ الذي ... لم يأتنا دهر له بمثال
فبه لتونس مفخرٌ ولنا به ... فخرٌ عظيم لا يقاس بحال
وبمثله الأقطار تفخر إذ غدا ... يجبني لعزٍ صالحَ الأمال
وله محال ترتجي مثلاً له ... قمر السما في العز والإجلال
كشَّاف ما خفيتْ مسالك نيله ... مغني الأنام ومعدنُ الإفضال
يلقى بثغر باسم كلَّ الورى ... وتحية تأتي بكلِ مقال
إن رمت وصف مجالس لإمامنا ... غيث العلوم ومبلغ الآمال
فأقول فيه وإنني لمقصر ... كالليث حف بمعظم الأشبال
يا سيداً قد حلّ كل عويصة ... بذكائه وبذهنه السيال
هذا الختام لقد أتاك مبشَّراً ... بدوام سعدٍ مشرقٍ متلالِ
فلقد سررت بمجلس لقدومه ... ولقد شرفت به على الأمثال
وأروم يا مولاي تجديد المنى ... تكسوه لي من حلةٍ الإفصال
وإذا القضيةُ بّينُ إنتاجها ... فلتطوها في منتج الأشكال
وإليك بكراً قد أتت لا تبتغي ... إلا الدعاءَ لنا بحسن الحال
وبقيت ترقى أوجَ آفاق العلى ... متلبَّساً بالعز والإقبال
وهناه ولده الخطيب المدرَّس الشيخ محمد الطيب الرياحي، بقوله: [الطويل]
ألا حدَّثنْ عمن به القلب مولع ... كفى طرباً ذاك الحديثُ المسجَّعُ
على ذاك حبَّست المسامع صبوة ... ولا لسواهم في فؤادي موضع
لقد ظعنوا والقلبُ يزعم كتمهم ... ولي أدمعٌ كالنهر تجري وتدفع
فلله يومٌ بان إشراق نوره ... ولله يومٌ فاض بالدمعِ مدمعُ
وأمسى كئيبَ الصدر بالبعد موحشاً ... وبات على جمر الهوى يتضجَّع
ويا نسمة سارت إلينا عشية ... مقلَّة عرف منهمُ يتضوعُ
فبالله إلا ما حملت إليهمُ ... تحية مشتاق يذلُّ ويخضع
لقد خلفوني في الوداد متيماً ... كئيباً سقيماً باكياً أتضرع
أبيتُ وأفكاري تؤمّل شخصهم ... فأصبح لهافناً وما لي مرجع
ومهما بدا ركب أبادرُ قائلاً: ... أحن إليهم بالفؤاد وأخضع
فيا عاذلي دعني فإنّ مرمكم ... هراءٌ يبق للعذَّالِ عنديَ مطمع
ففي مذهبي السلوان جاء محرماً ... فلم يبق للعذَّالِ عنديَ مطمع
وهل تختفي شمسٌ وفي الكون نورها ... وهل يختفي برق وفي الجوّ يلمع
وهل يختفي علم الهمام الذي غدا ... له موضع فوق الكواكب أرفعُ
هو الأبُ عز الله أصلي أنا به ... فطوبى لأجدادٍ أقرُّا وفرَّعوا
إمامٌ همامٌ فاضل متعفف ... شريف جليل للفواضلِ أجمع
تقيٌّ نقيُّ زاهد ذو سياسة ... حليمٌ كريمٌ للمكارم منبع
هو البحر في أيَّ العلوم أردتها ... حجاه إلى نيل الدقائق مسرع
مشارق أنوار بطلعته انجلت ... وصار لها نور يضيء ويسطع
وفي أبحر التدقيق حاز دقائقاً ... يضلُّ بها عقل سديد وألمع
فيا خير ممدوحٍ، ولست مبالغاً=بل المرءُ باللذ قد تقفاه أجمع
رعى الله طوداً جئته بمقالة ... وليس لها رد ولا فيك تمنع
ألا كل سمع غيرك باطلٌ ... وكل مديح في سواك مضيع
وهذا دليل بالسعادة ناطق ... وأنك تحت العرش تحظى وترفع
وأفضل خير قد يكون غدا به ... كتابك مختوماً وأنت مشفع
ولما ختم تدريس شرح المحلي على جمع الجوامع الأصولي هنأه بالختم المذكور أيضاً تلميذه شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الرابع، بقوله: [الوافر]
مديحك لا يحيط به النظامُ ... وجودك لا يقاومه الغمامُ
وعلمك منهل للناس طرًّا ... ومجلسك الأعزُّ له احترام
بك الآفاق قد زادت سروراً ... كأنك في فم الدنيا ابتسام