أيا من سبى الألباب لطف كلامه ... كما أنه في الأذكياء المقدَّم
أتتني منْ سحر البيان قصيدةٌ ... وما هي عقدُ درذًَ منظمُ
تسائل عما شاع في الناس ذكرهُ ... أهل لهُ أصلٌ في الثبوت مسلم؟
نعم هو ريبٌ دون مكين وما له ... ثبوتُ وأمرُ الشيخ أعلى وأعظم
جزى الله خزياً مفتريه وذلةً ... ومأواه إن لم يعف عنه جهنم
فهذا جواب للذي هو طالبٌ ... حقيقة هذا الأمر والله أعلم
ويسأل إبراهيم من فضل ربه ... لك الأمن في الدارين وهم يسَّلم
وكانت له معرفة بأسرار تليق بمثله من العلماء الأخيار، قدم غليه أحد الأفاضل وقد أضغطه غريمه، واشتكى إليه ما يلاقي من شر الأفتضاح، فأذن له بذكر اسم من أسماء الله تعالى في خلوة، وانه عند نهاية الذكر يجد مقدار دينه تحت بساطه، فوجده قطعاً غير مسكوكة، ولما أعلم الشيخ سأله عن كيفية ذكره، فوجد فيه خللاً وأذن له في تداركه، فتم له المراد، ونهاه عن العود لمثل ذلك.
وأتته امرأة تشكو إصابة ولدها بالجنون، وتلظت لديه، فأسعفها ببطاقة تبلغها إلى ضريح الشيخ فتح الله العجمي، ولعلها تتضمن توسلات له، فعوفي ولدها بعد حين، وذلك من أدلة حسن اتصال علاقته بأولياء الله رضي الله عنهم أجمعين.
وكانت له سانية في سفح جبل المنار تحت زاوية الشيخ الظريف رضي الله عنه يسكنها مدة المصيف، فاتخذ منها مسكاً للزيارة ليلأن وقد نقل لي عن صهره أنه سمع له حديثاً عند الضريح، يدل على ما له من الود الصريح.
أما وصلته مع العارف بالله العالم المربي الشيخ مصطفى بن عزوز النفطي أستاذ الطريقة الرحمانية، رضى الله عنه فكان يتجاذب معه أطراف الأسرار الربانية، وله فيه مدائح شعرية، ومكاتيب نثرية، وقفت على بعضهأن وهي تدل على كمال تعلقه بأهل الله في كل ما يرجوه، وغنما يعرف الفضل من الناس ذووه، ومن لطائفها أبيات جعلها في طالعة جواب له مؤرخ بسنة خمس وستين ومائتين وألف وهي قوله: [الكامل]
جاء الكتاب من الحبيب مبشرَّاً ... بقدومه يا مرحباً يا مرحيا
قد رد لي عهدَ المسرة مثل ما ... بقميص يوسفَ ردَّ ما قد أذهبا
أهدي إليك تحيةً مسكيةً ... يا مصطفى يا منتقى يا مجتبى
مستودعاً منك الدعاء وأنت في ... حالٍ تراها للإجابة أقربا
ورأيت من مكاتبتهما كتاباً سرباً بخط الشيخ إبراهيم الرياحي يخاطب به الشيخ المذكور آثرت إثباته لما فيه من الإلماع بحال كل منهما وهذا نصه:
الحمد لله والصلاة على من صلى عليه الرحمن.
يا ليت سيدنا وحبيب الله ورسوله صرح لنا بما أشار به إلينا مرتين من قرب الأجل، المرة الأولى ونحن معك على البنك في محل الحكم والصلاة في دريبتنا من قولك لي: رأيتك كأنك مت ولم توجد وأن روحك كالذبابة، والمرة الثانية ما ذكرت لنا في جوابك المبرور من قولك: إن الجنة مشتاقة إليك، ولولا ما خفت أن يعثر على جوابي غيرك لكتبت لك كلاماً آخر فيا ليت سيدنا رضى اله عنك رحمتني بالتصريح بما تريد أن تصرح لي به، فلعل في ذلك تحريضاً على ترك المهلة، وبعثاً على التشمير لدار النقلة، أو غير ذلك مما يوجب الإعراض عن الفانية، والإقبال على الباقية، فإن المواعظ والنصائح إذا خرجت من أهلها كانت كالسهام لا تخطئ، هذا وما بشرتنا به من الحشر مع أولئك السادات أسأل الله أن لا يخيبنا ولا يدر كرمك فينا وإلا فالعبد الذليل لا تحدثه نفسه بما هو أدنى من ذلك، فضلاً عن الكون مع أولئك، بل الإنسان على نفسه بصيرة، وليست لنا طماعية في ذلك الشأن، إنما لنا طماعية في الغفران.
وإذا كان خليل الرحمن يقول: "والذي اطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" فأين جاء طمع مثلي، فإنا لله وغنما غليه راجعون، نعم سيدي وقد غمني غماً عظيماً إرسالك لي السبولة العطرية.