للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنشد الشيخ إبراهيم الرياحي في ذلك من شعره قوله: [الطويل]

تلقيت من أخباركم كلَّ طرفة ... أنظَّمها في جيد أسمارنا عقدا

وكنتُ بتشنيف المسامع أكتفي ... واكبر بشاراً بما قاله جهدا

ولما نما شوقي وزاد تولهي ... سريت لكم ليلاً أبثكمُ وجدا

وما كان لي هاد سوى نور حسنكم ... إليكم، فلم أعدم بقولكمُ رشدا

وحيث إلى المسعود (ي) كان انتهاؤنا ... زجرت فكان الزجر يستنتج السعدا

فبت وما ليلي سوى لمح بارق ... وإن طال من دهري تنفسه الصعدا

ومن لطائفه أنه استجار به العدل الشيخ منصور الورغمي في لبس الملوسة حين ألزمها الأمير حسين باشا باي لكافة العدول على نظر الشيخ محمد بيرم الثالث وكان دميمأن فاستهجن لبسها وخاف أن يتعاطاه الناس بسببهأن فكتب الشيخ في ذلك إلى شيخ الإسلام البيرمي الثالث مستشفعاً بقوله: [الكامل]

كبرت عليهم إنها لكبيرة ... منصوبة علما على التمييزِ

فتفرقوا أيدي سبا في فضلها ... والخلف بين الناس غير عزيز

فعلى فريق منهم هي مثلةٌ ... ولبعضهم زلفى إلى التبريز

أما "بنو ورغمة" ففقيههم ... لهم يجر مذهبه على التجويز

فلذاك رام حماك علماً أن من ... يأتيه في حرز هناك حريز

فأجره من همزٍ ومن لمزٍ بها ... ما حالة المهموز والملموز

لا زلتم كهفاً يلاذ بعزَّه ... فينال فوق القصد كل عزيز

وقد أجابه عن ذلك شيخ الإسلام المذكور بقوله:

يا أيها العلمُ الذي حسناته ... شرفتْ بطلعتها على الإبريز

وجَّهت لي درراً يقرُّ بحسنها ... أهلُ الصياغة من أولي التبريز

فعرفت مطلبهأن ونيل مرامها ... سهل يمين الله غير عزيز

فعليه تأخير العمامة برهةً ... حتى يكون القولُ في التمييز

ثم إن شيخ الإسلام المذكور اطلع المولى الجد الشيخ محمد السنوسي قاضي باردو يومئذ على الطلب والجواب، واستجلى منه في النازلة عين الصواب، فكتب إليه بقوله: [الكامل]

قل للفقيه المستجاه بجاههِ ... في رفعِ نصب حقَّ للتمييز

إنّ النحاة الَّنصب أوجبوا ... في بابه وأبوا من التجويز

واستهجن الدؤلي لحناً ساقه ... نقلاً من الأمثال للتبريز

وكذأن العموم إذا تخصص بعضه ... ضعت دلالته بنصَّ الجيز

والظن فيمن يستجرك أنه ... منصور دمت تفوق كالإبريز

واتفق أن شاع خبر فناء الخلق في هذا القرن ونسبه أهل الأهواء إلى العالم الرباني، الأستاذ المربي الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه مع أن ذلك مما ينبو عنه مقام أدبه وسلوكه في الشريعة التي صينت من كل نقص، وكملها الله على يد خير خلقه بمحكم النص، وقد جاء في الآيات المتلوة في القرآن الذي أتم الله إبداعه، "وعنده علم الساعة" وهكذا الاعتقاد فيه وفي كل من ماثله لا يجري واحد منهم في جميع الأقوال والعمال، إلا على ما وردت به شريعة خاتم الإرسال، ولذلك لا يجوز لنا أن نأخذ مما ينقل عنهم غير ما جرى على سنن الشرع القويم، إذ ذلك دليل صحة نسبته إليهم في حالة الصحو بالنظر لمقامهم العظيم، فهم أحفظ الناس لسياج الشريعة التي جمعت ما كان ويكون، ولا يتمسك بسواها إلا الجاهلون، وعند شيوغ ذلك الخبر سنة ١٢٤١ كتب الشيخ محمد بيرم الرابع يسأله عن صحة ذلك بقوله: [الطويل]

أيا من رقى أوج المعالي وقد غدت ... إليه مقاليدُ العلوم تسلَّمُ

لقد ظهرت رؤيا لها نسبةٌ إلى ... إمام له بين الأنام تقدُّمُ

همام على دست المعالي وقد علا ... مراتبهُ من موقع النجم أعظم

ملخَّصها أن الأنام جميعهم ... لذا القرن تفنى دون ريبٍ وتعدم

أهل هو مما صحّ عندك نقله ... عن الشيخ أم للمين فيه توسم؟

أجبنا رعاك الله عن كنه أمرها ... فأنت لها من غيرك اليوم أعلمُ

لأنك ممن خاض لجَّةَ بحرها ... وأضحى بتحقيق لها يترنَّم

بقيت لنا كهفاً وللحق ناصراً ... وللصعب من دأب البغاية تحسمُ

ويطلب رب النظم حسن دعائكم ... ألا وهو الداعي "محمد بيرم"

فأجابه الشيخ إبراهيم الرياحي مكذباً ذلك بقوله:

<<  <   >  >>