وقد قصدت جنابك، وطرقت بابك، ويممت فناك، وأملت دعاك، وتوسلت إليك بسيد البشر، الشفيع المشفع في المحشر، أن لا تتركني سدى، ولا تشمت بي الأعدا، يا بدر الصالحين، يا تاج العلماء العارفين؛ جئت إليكم مستجيراً، فالله الله في هذا النازح الوطن، المحالف الشجن، المفارق الألف والسكن، ناشدتك الله لا تنبذني ظهرياً، ولا تتركني نسيأ منسياً، أيخيب القاصد حماكم، أيرمى المتمسك بدعاكم، وأنتم أهل الله لا يخيب من بكم استجار، ولا يخشى صولة الأذعار، حنانيك أي هذا الإمام، جوارك يا علم الأعلام، لألو لك أن تعرض عمن بكم لاذ، وبسواكم استعاذ، وبحرمكم استظل، وبفيض كرمكم أم وأمل، ألا راحم لغربتي، ألا ساد لحلتي، ألا منفس لشجوي وكربتي، أليس عاراً عليكم، ضيعة القاصد بعزمه إليكم، فلا تتركوني مضاعاً، وفؤادي ملتاعاً، وقلبي شعاعاً، وأشجاني أجناساً وأنواعاً. كيف أضام وإليكم قصدت، كيف أحرم وبكم وثقت وتعلقت، كيف لا أظفر بمرادي، وأنتم مخيم ودادي، ومواليَّ وأسيادي. وعليكم اعتمادي، وبهمتكم إمدادي وإسعادي، وإني أتوسل إلى حضرتكم بالله الذي لا إله إلا هو الرحيم الرحمن، الرؤوف المنان، والأنبياء والمرسلين، وبمحمد الصادق الأمين. والسادة صحابته، والأخيار قرابته، وبالمهاجرين والأنصار، والأقطاب والنجباء والأخيار. وبجميع الأولياء والصالحين، والعلماء الراسخين، أن لا تحرمني من دعاكم، والتوجه بهمتكم، إلى خديم سدتكم، حتى أظفر بمأمولي، وأبلغ غاية سؤلي، فلا خاب من إليكم انتسب، وعليكم أكب، فأغيثوا هذا المظلوم، الكثير الكُلوم، الغريب الديار، المقلب على الجمار، كلا فإني لما وفقت لقصدكم، واشتملت بودكم، وانتميت لذلك المقام، واعتززت بذلك الذمام، ظفرت بالأهل المطلق، ونزلت على المحلق. فمثلكم من يحمي جاره. ويبلغه أوطاره. لا زلتم موقف الآمال، ومحط المجد والنوال. وعائد السلام عليكم، كما بدا من ابنكم المنتمي إليكم، الطالب فضلكم ورفدكم، الفقير إلى رحمة ربه ولطفه محمد باي ابن حسين باي ابن علي. وكتبت بتاريخ أواخر جمادى الأولى من عام١١٦١.
هذا والغيب قد هيأ لهؤلاء الأمراء أعز السعادة المستدامة إلى أن تخلصوا خلوص التبر، وحنوا إلى وطنهم وساعدهم القدر. وأعيا الناس ما لاقوه من ابن عمهم، وكاتبوهم يستنهضونهم، فجهزهم حاكم الجزائر بمحلة منصورة تحت رئاسة حسن باي أزرق عينه. وأقبلوا مع من حشد إليهم من نجوع الأعراب الذين أعياهم الجلد وقاموا بإمدادهم إلى أن تغلبوا على عدوهم، واتصلوا بتراث أبيهم من غاصبه، واقتص الله لهم دم أبيهم ودخلوا الحاضرة في يوم مشهود، خفقت فيه الرايات والبنود، وهو يوم الخميس سادس ذي الحجة الحرام سنة تسع وستين ومائة وألف، فهرعت الخاصة والعامة إلى بيعتهم واطمأنت الأنفس وقرت العيون.
[الطويل]
وألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر
وأقام الجزيريون أياماً كدروا بها صفو مشرب الباشا محمد الرشيد باي من إعناتهم وجراءَتهم وإضرارهم بالأهالي إلى أن أراحه الله من إقامتهم على ما هو مبسوط في كتاب "المشرع الملكي، بدولة أولاد علي تركي " وأقبل الأمن على الأهالي بعود الدر إلى معدنه وتنادى الناس بالفرح المديد، من ولاية محمد الرشيد، فاقتعد دست الملك التونسي وعم بإحسانه كل من وفد عليه سائلاً، وأنشأ من حماسة عزة نفسه الملوكية قائلاً: [الطويل]
أيشبهنا في العالمين قبيل ... ونيل علانا ما إليه سبيل
أرى العز لا يأوي سوى بيت مجدنا ... ولا في حمانا يستذُّل ذليل
وأعراضنا بين الأنام جواهر ... وجوهرنا في الخافقينْ يسيل
ترى السعد والأيام ملك يميننا ... تميل على العِلات حيث نميل
صوارمنا تطغى على طول دهرنا ... لها في رؤوس الدارعين صليل
إذا استقبل الأعداء صارمَ سيفنا ... فماضيه بالنصر العزيز كفيل
وإن نحن سرنا في كماة جيوشنا ... وللخيل وقع في الثرى وصهيل
تكاد جال الأرض من عظم بأسنا ... تذوب على سطح الثرى وتميل
تسع وستين ومائة وألف، فهرعت الخاصة والعامة إلى بيعتهم واطمأنت الأنفس وقرت العيون.
[الطويل]
وألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر