ولا يظهر أن في دخول النصل إلى التجويف البريتوني خارج الجهاز الهَضْمِيّ أو المنظار في زماننا، أو الإصبع داخل قُبُل المرأة أو دبرها أو دبر الرجل ما يشابه الأكل والشرب في المعنى أو الصورة، وكذلك إدخال شيء إلى الأذن كعود مثلا ثم إخراجه.
وإنك ترى أنه من ذهب من أصحاب المذاهب إلى اعتبار كل جَوْف أو تجويف في الجسم مما يفسد الصيام بدخول الأعيان إليه قد اختلفوا واضطربت عباراتهم، فتارة يتحدثون عن التغذية ويجعلون للدماغ حكم الجَوْف لأنه يتغذى بما يصل إليه وتارة يهملون هذا المعنى.
ولقد تبين من المقدمة الطبية أن المَعِدَة والأمعاء الدقيقة هي تلك الأجزاء من الجهاز الهَضْمِيّ القادرة على هضم وتحليل الغذاء، وأن الأمعاء الغليظة قادرة على امتصاص الأملاح والجلوكوز والماء. وليس الدِّمَاغ قادرًا على الإفادة من الغذاء دون وصوله إلى المَعِدَة، وليس منفذًا لها كما سبق في المقدمة الطبية.
والذي يترتب على ما قدمنا هو ترجيح أنه - بالإضافة لكل ما يشابه الأكل في الصورة كابتلاع أي عين - فإن الفطر يحصل بوصول الأعيان المغذية (١) إلى المَعِدَة أو الأمعاء الدقيقة وكذا الغليظة، أو مباشرة إلى الدم، إذا كان الواصل مما ينتفع به الجسم كالسوائل والأملاح والجلوكوز، فإن كل هذا يشابه الأكل في المعنى، وإن كان الوصول إلى هذه الأعضاء عن غير طريق الفم مما يخالف الأكل في الصورة. وقد يُعارَض بأن الامتصاص يكون عن طريق الجلد ولا يُفْطِر اتفاقًا، ولكن هذا امتصاص قليل لبعض الأدوية وما لا يتغذى عليه الجسم أو يدفع عنه شيئًا من الجوع أو العطش.
(١) ابتلاع أي شيء عن طريق الفم يفسد الصيام من غير اعتبارٍ لكونه مغذيًا أو لا، وعليه الإجماع، ولا يثبت ما نقل عن أبي طلحة -رضي الله عنه- أنه كان يأكل البرد ويقول: ليس بطعام ولا شراب. «موسوعة الإجماع» لسعدي أبي حبيب (٢/ ٧٣٩).