للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قول السادة المالكية:

قال القُرْطُبِيّ -رحمه الله-: «قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: ٧، ٨]. فإذا كان الله جل وعلا قد أخبر أن ما عليها يصيره صعيدا جرزا، وأباح مع ذلك التيمم بالصعيد، وجب بعموم ذلك جواز التيمم بالصعيد الذي كان نباتا أو حيوانا أو حديدا أو رصاصا أو غير ذلك لإطلاقه تعالى الأمر بالتيمم بالصعيد. وفي ذلك دليل على صحة قول أصحابنا في النجاسات إذا استحالت أرضا أنها طاهرة؛ لأنها في هذه الحال أرض ليست بنجاسة، وكذلك قالوا في نجاسة أحرقت فصارت رمادا أنها طاهر؛ لأن الرماد في نفسه طاهر وليس بنجاسة، ولا فرق بين رماد النجاسة وبين رماد الخشب الطاهر؛ إذ النجاسة هي التي توجد على ضرب من الاستحالة، وقد زال ذلك عنها بالإحراق، وصارت إلى ضرب الاستحالة التي لا توجب التنجيس .. » (١).

وقال الحَطَّاب -رحمه الله-: «وخمر تحجر: أي صار حَجَرا وهو المسمى بالطرطار ويستعمله الصَّبَّاغون، وهذا إذا ذهب منه الإسكار. أما لو كان الإسكار باقيا فيه، بحيث لو بل فشرب أسكر، فليس بطاهر. ونقله البُرْزُلي (٢) عن المازِرِيّ (٣) في مسائل الأشربة والله أعلم.


(١) «الجَامِع لأحْكَام القُرآن» للقُرْطُبِيّ (٣/ ٣١٤).
(٢) هو: أبو القاسم بن أحمد بن محمد البلوي القَيْرَوانِيّ، المعروف بالبُرْزُلي، أحد أئمة المالكية في المغرب، ولد سنة ٧٤١ هـ، انتهت إليه الفتوى فيها، وكان ينعت بشيخ الإسلام، وعمر طويلا حتى قيل توفي بتونس عن مائة وثلاث سنين سنة ٨٤٤ هـ من كتبه: جامع مسائل الأحكام مما نزل من القضايا للمفتين والحكام»، و «الديوان الكبير في الفقه». راجع ترجمته في: «الضوء اللامع» (١١/ ١٣٣).
(٣) هو: أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التَّميمِيّ المازِرِيّ، محدث من فقهاء المالكية، نسبته إلى مازر بجزيرة صقلية، ولد سنة ٤٥٣ هـ، ووفاته بالمهدية سنة ٥٣٦ هـ، له: «المُعْلِم بفَوَائد مُسْلِم» في الحديث، و «شرحه على التلقين» في الفُرُوع، «والكشف والإنباء في الرد على الإحياء للغَزالي»، و «إيضاح المَحْصُول في الأصول». راجع ترجمته في: «وَفَيَات الأعْيَان» (٤/ ٢٨٥)، «الدِّيبَاج المُذْهَب» (١/ ٢٧٩)، «شَذَرَات الذَّهَب» (٢/ ١١٤).

<<  <   >  >>