للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن في إثبات ذلك ما يدفع عن المرأة حد القذف، وكيف لا والحدود تدرء بالشبهات.

ولقد ذكر ابن القَيِّم -رحمه الله- في «الطُّرق الحُكمية» قصة طريفة فقال:

«وقال جعفر بن محمد: أُتي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار، وكانت تهواه، فلما لم يُساعِدها احتالت عليه، فأخذت بيضة فألقت صفارها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي، وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني. فهم بعقوبة الشاب فجعل يستغيث، ويقول: يا أمير المؤمنين، تثبت في أمري، فوالله ما أتيت فاحشة وما همَمْت بها، فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر علي إلى ما على الثوب ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصب على الثوب فجَمُد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه، فعرَف طعم البيض وزجر المرأة، فاعترفت» (١).

فانظر كيف أنهم على قلة الوسائل في زمانهم، كانوا يتحرون الحقيقة بكل وسيلة متاحة لهم، ولم يكن في قضائهم -رضي الله عنهم- ما يتعارض مع صريح المعقول، بل كان مفخرة للإسلام وأهله في كل زمان. أما عندما انعدمت الوسيلة لمعرفة الحقيقة، فحينها لم يكن الله ليكلفهم إلا وسعهم.

فاللهم ارض عنهم، وأقمنا على طريقتهم، واجمعنا بهم حول حوض نبيك -صلى الله عليه وسلم-.

* * *


(١) «الطُّرُق الحُكمِيَّة» لابن القَيِّم (١/ ٧٠).

<<  <   >  >>