للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل القول بأنه مستحب يترجح لدخول المرأة في الندب إلى خصال الفطرة ومنها الختان كما جاء في الصحيح. وكما ذكرنا، فإنه لا دليل على قصر ذلك على الرجل، وقد كان لفظ الختان مشتركًا بين الرجال والنساء على عهده -صلى الله عليه وسلم-. وكذلك يترجح جانب الفعل على الترك لكون الختان فيه ما فيه من الألم وكشف العورة، فلو لم تكن فيه فائدة راجحة لما أقره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ولكن ليس هناك ما يستدل به على الوجوب، فإن كون الختان فيه من الألم وكشف العورة ما فيه مع إقرار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له ليس دليلًا على الوجوب، وإنما يصلُح دليلًا على تقديم جانب الفعل على الترك - كما قدمت -، فيكون مستحبًّا أو واجبًا والاستحباب هو المتيقَّن.

ولا يقال إن العورة المغلظة لا ينبغي أن تكشف إلا لواجب، فإن التداوي عند الأكثرين ليس واجبًا ويؤذَن فيه بكشف العورة، بما فيها المغلظة للمصلحة. أما قول الإمام النَّوَوِيّ -رحمه الله-: «وقاله [أي الاستدلال بكشف العورة] قبلهم أبو العباس بن سُرَيج (١) -رحمه الله- وأورد عليه كشفها للمداواة التي لا تجب. والجواب أن كشفها لا يجوز لكل مداواة وإنما يجوز في موضع يقول أهل العرف إن المصلحة في المداواة راجحة على المصلحة في المحافظة على المروءة وصيانة العورة» (٢). فالجواب على هذا الجواب أن في الختان من المصلحة ما يترجح على المصلحة في المحافظة على المروءة وصيانة العورة.


(١) هو: أبو العباس أحمد بن عمر بن سُرَيج البَغْدَادِيّ، شيخ الإسلام، فقيه العِرَاقِيين، وفقيه الشافعية في عصره حتى سمي الشافعي الصغير. مولده في بغداد سنة ٢٤٩ هـ ووفاته -رحمه الله- بها سنة ٣٠٦ هـ. من مؤلفاته: «الأقسام والخصال»، و «الودائع لمنصوص الشرائع»، وكان يلقب بالباز الأشهب، ولي القضاء بشيراز، وقام بنصرة المذهب الشافعي فنشره في أكثر الآفاق، كان حاضر الجواب، له مناظرات ومساجلات مع محمد بن داود الظَّاهِرِيّ رحمهما الله، وكان على طريقة السلف. انظر ترجمته في: «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الكُبْرَى» (٣/ ٢١)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة» لابن قاضي شُهْبَة (٢/ ٨٩)، وراجع أيضًا: «وَفَيَات الأعْيَان» (١/ ٦٦)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (١٤/ ٢٠١).
(٢) «المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (١/ ٣٦٦).

<<  <   >  >>