وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَبعد فَمَا زَالَ الشّعْر فِي كل أمة جلاء الأذهان وصقل الخواطر بِحَيْثُ توفرت عَلَيْهِ الرغبات وَبعثت إِلَيْهِ الهمم وَأصْبح من لم يرو مِنْهُ
وَلم يصدر عَنهُ
كَأَنَّهُ أحَاط من اللُّغَة بالغلاف
وَتَنَاول الكأس من غير سلاف
وَإِن لهَذَا النَّوْع من الْكَلَام فِي لغتنا الشَّرِيفَة فضلا يبْقى بِهِ على الزَّمَان وَهُوَ مَا كَانَ الْعَرَب يجمعُونَ إِلَيْهِ من كل لَفْظَة ناصعة
وَكلمَة رائعة
بِحَيْثُ كَانَ الشّعْر من شَاعِرهمْ بِمَثَابَة خزانَة النفائس من صَاحب الْكُنُوز إِلَيْهِ مرجع كل نَفِيس وَفِيه مَوضِع كل جمال
بيد أَن مَا روى من شعر الْعَرَب شَيْء كثير لَا يحاط بِهِ وَإِن قصر عَلَيْهِ الْعُمر فَكَانَت الْحَاجة ماسة إِلَى مَجْمُوع يقوم مِنْهَا مقَام الْخُلَاصَة وَلم نجد من ذَلِك أحسن وَلَا أوفى من كتاب الحماسة الَّذِي اخْتَارَهُ ملك الْكَلَام أَبُو تَمام فقد كَانَ للرجل من المحفوظات مَا لَا يلْحقهُ فِيهِ غَيره قيل إِنَّه كَانَ يحفظ أَرْبَعَة عشر ألف أرجوزة للْعَرَب غير القصائد والمقاطيع هَذَا عدا مَا اطلع عَلَيْهِ فِي خزانَة كتب أبي الْوَفَاء الْعَظِيمَة الَّتِي جمع مِنْهَا هَذَا الْكتاب