= قد وقع إليّ أنك تدخل الرجال إليك، فراسلت قائدا يقال له ابن دوّاس كان شديد الخوف من الحاكم أن يقتله، فقالت: إنّي أريد أن ألقاك إما أن تتنكّر لي وتأتيني، وإما أن أجيء أنا إليك فجاءت إليه، فقبّل الأرض بين يديها وخلوا، فقالت له: لقد جئتك في أمر أحرس نفسي نفسك. فقال: أنا خادمك. فقالت: أنت تعلم ما يعتقده أخي فيك وأنه متى تمكّن منك لم يبق عليك، وأنا كذلك، ونحن معه على خطر عظيم، وقد انضاف إلى ذلك ما قد تظاهر به وهتكه الناموس الذي قد أقامه آباؤنا، وزيادة جنونه وحمله نفسه على ما لا يصبر المسلمون على مثله، فأنا خائفة أن يثور الناس علينا فيقتلوه ويقتلونا وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء. قال: صدقت فما الرأي؟ قالت: تحلف لي وأحلف لك على كتمان ما جرى بيننا من السرّ، وتعاضدني على ما فيه الراحة من هذا الرجل. فقال لها: السمع والطاعة. فتحالفا على قتله وأنهما يقيمان ولده مقامه، وتكون أنت صاحب جيشه ومديره، وأنا فلا غرض لي إلاّ سلامة المهجة، فأقطعته ما يحصل مائة ألف. وقالت: اختر لي عبدين من عبيدك تثق بهما على سرّك وتعتمد عليهما في مهمّك. فأحضرها عبدين موصوفين بالأمانة والشهامة فاستحلفتهما على كتمان ما تخرج به إليهما، فحلفا، فوهبت لهما ألف دينار، ووقّعت لهما بإقطاع، وقالت: أريد منكما أن تصعدا غدا إلى الجبل فتكمنا فيه فإن نوبة الحاكم أن يصعد غدا وليس معه إلاّ الركابيّ وصبيّ، وينفرد بنفسه، فإذا قرب منكما خرجتما فقتلتماه وقتلتما الصبيّ. وسلّمت إليهما سكّينين من عمل المغاربة وقرّرت ذلك معهما. وكان الحاكم ينظر في النجوم، فنظر في مولده وقد حكم عليه بقطع في هذا الوقت وقيل فيه إنه متى تجاوزه عاش تتمّة نيّف وثمانين سنة. فلما كانت تلك الليلة أحضر والدته وقال لها: عليّ في هذه قطع عظيم وكأنّي بك قد تهتّكت وملكت مع أختي، فإنني ما أخاف عليك أضرّ منها، فتسلّمي هذا المفتاح فهو لهذه الخزانة ولي فيها صناديق تشتمل على ثلاثمائة ألف دينار، فحوّلها إلى قصرك لتكون ذخيرة لك، فقبّلت الأرض وبكت وقالت له: إذا كنت تتصوّر هذا فارحمني ودع ركوبك الليلة، فقال: أفعل، وكان من رسمه أن يطوف كل ليلة حول القصر من أول الليل إلى الصباح في ألف رجل، فقعد تلك الليلة إلى أن مضى صدر من الليل، ثم ضجر وأحبّ الركوب، فرفقت به والدته وقالت: اطلب النوم يا مولانا، فنام ثم انتبه وقد بقي من الليل ثلثه فقال: إن لم أركب وأتفرّج خرجت روحي. فركب وصعد إلى الجبل وليس معه إلاّ الصبيّ، فخرج العبدان فطرحاه إلى الأرض وقطعا يديه وشقّا جوفه ولفّاه في كساء وحملاه إلى ابن دواس بعد أن قتلا الصبيّ، فحمله ابن دوّاس إلى أخته فدفنته في مجلسها، وكتمت أمره، وأحضرت الوزير وعرّفته الحال واستكمته واستحلفته على الطاعة. . وفقد الناس الحاكم فماجوا في اليوم الثالث وقصدوا الجبل، فلم يقفوا على أثر، فعادوا إلى أخته فسألوها عنه فقالت: قد كان راسلني قبل ركوبه وأعلمني أنه يغيب سبعة أيام. فانصرفوا كأنهم يقصدون موضعا ويقولون لكل من يسألهم: فارقناهم في الموضع الفلاني وهو عائد يوم كذا. ولم تزل الأخت تدعو في هذه الأيام وجوه القوّاد وتستحلفهم وتعطيهم، وألبست أبا الحسن عليّ ابن الحاكم أفخر الملابس واستدعت ابن دوّاس وقالت له: المعوّل في قيام هذه الدولة عليك وتدبيرها موكول إليك وهذا الصبيّ ولدك فينبغي أن تنتهي في الخدمة إلى غاية =