الطاعة والعبودية، وأطلق وعاد إلى ما هو بسبيله، وقبض عليه دفعة ثانية في أيام ميخائيل القطبان الأسقندليس، وحبسه مدّة أخرى،
[استتابة الرادوفي وإطلاقه وحبسه مرّة أخرى]
وبذل له خدما مرضيّة، وأن لا يعود إلى حال تكره منه، واستحلفه وأخذ منه ولده رهينة على سلوكه الطريقة المأثورة، وتنصّح إليه بأنّ في آخر عمل الروم من جبل الرواديف ضيعة تعرف بالمسقة، وهي موضع يصلح بأن يكون فيه حصن منيع، يحفظ به جميع العمل ممّن يروم الفساد فيه من المسلمين أصحاب الحصون القريبة منه، ويضيّق به على حصونهم تضييقا شديدا، وأنهم قد عوّلوا على بنائه، وإن تم لهم ذلك ملكوا الجبل، واستضرّت جميع حصون الروم المجاورة له،
[الرادوفي يحسّن لقطبان أنطاكية بناء حصن المسقة]
وذكر أنهم لا يمكّنون الروم من عمارته، وسأله أن يأذن له بمسابقتهم إلى بنائه ويساعده على عمارته للروم، وتكون له بذلك خدمة تظهر بها مناصحته وصحيح موالاته. فأجابه إلى ما التمسه وكتب له بذلك سجلاّ، ولم يحدث فيه حدثا في مدّة مقامه بأنطاكية، وبعد انصرافه عن ولايتها وافق نصر بن مشرّف المذكور قوما من المسلمين بالاجتماع في الموضع المذكور، وأظهر للروم أنّ اجتماعهم إنّما هو لعمارة الحصن، فسار إلى هناك جماعة من الروم لدفّعهم عمّا زعم أنهم قصدوه. ومع وصولهم إلى جبله أوهمهم نصر المذكور أنه قد صرف المسلمين بعشيرته ورجاله، بعد أن وافقهم على أن يعمّر الحصن لنفسه دونهم ودون الروم.
[[الرادوفي يخدع الروم فيساعدوه على بناء الحصن]]
والتمس من الروم أن يمدّوه ما يحتاج إليه في عمارته من الآلات والعدد والصنّاع والرجال بسرعة قبل أن يتجدّد للمسلمين رأي، وأنه يسلّمه إليهم بعد ذلك. واستوقفهم عن طلوع أحد منهم إلى ناحيته لئلاّ يستريب بهم المسلمون فيفسد عليه ما قرّره، وأظهر أنّ جميع غرضه فيما يأتيه في ذلك التقرّب إليهم، وما يرجوه من حسن المكافأة عن خدمته هذه، فاغترّ الروم بقوله وأحسنوا الظنّ به، وأذعنوا له في جميع ما التمسه منهم، ولم يمنعوه شيئا استدعاه. ولما دار عليه الحصن وأقام بابه، وصار به منعة لمن يتحصّن به، اضطّهدوه في تسليمه إليهم أو طلوعهم إليه، فدافعهم عنه واحتجّ عليهم فيه بضروب من الحجج، واعتضد بالمغاربة