يسير من عشيرته ومن الطّائيّين، واستظهر عليهم، وخلّص الغنيمة عن آخرها، وقتل وجرح منهم جماعة وعادوا منهزمين. ووصل البربريّ في الحال، وعرف ما جرى، وضرب خيامه في قسطون، وبقي بقيّة يومه، ولمّا جنّ الليل رحل إلى أفامية ولم يلقه ولا ورد إليه أحد من بني كلاب، وذلك لأنّ نصر بن صالح استصلحهم واجتذبهم إليه حذرا من مكيدة يقصد بها البربريّ مدينة حلب. وتهدّد من ينحرف عنه منهم باستعانته عليهم بالروم وقبضه إقطاعهم وقصده إيّاهم. واستراب البربريّ بتأخّرهم عنه، وتحذّر أن يتّفقوا مع الطّائيين من آل جرّاح على إساءة يوقعونها به، فرحل عن أفامية ثاني يوم وصوله إليها مسرعا إلى دمشق، وعند مسيره عنها كتب إلى نيقيطا القطبان يذكر له أنه ورد إلى أفامية ليصلح أمورها، وأنه لم يتعرّض لشيء من أعمال الروم بسوء حسبما لم تزل أوامر الظاهر ترد إليه وإلى غيره من ولاته وأصحاب أطرافه، من حفظ مجاورة الروم، وترك الفساد في شيء من أعمالهم، وأطلق قوما من الأرمن كان أصحابه أخذوهم في الطريق.
[[أنوشتكين يكاتب قطبان أنطاكية]]
ثم تواصلت المكاتبة بينهما بعد سبي رفنيّة وأخذ حصن المنيقة في توسّط المهادنة،
[[الاتفاق على اجتماع رسولي الظاهر ورومانوس على حدود الدولتين]]
واستقرّت الموافقة على أن ينفذ الظّاهر رسولا من جهته إلى رومانوس الملك، ويعدل إلى البربريّ بدمشق، وينفذ الملك أيضا رسولا، ويرد إلى القطبان بأنطاكية، ويجتمع الرسولان جميعا في ناحية أنطرسوس في آخر حدّ الروم وأول بلد المسلمين، ويسير كلّ واحد منهما إلى مقصده.
وسيّر الظاهر رسولين وجيهين إلى دمشق، وأنفذ الملك رسولين إلى أنطاكية، ولعلم نصر ابن مشرّف أنّ نيقيطا القطبان تامّ العزيمة على المسير إلى حصن بنكسرائيل الباقي الآن في يده لمقاتلته وأخذه، توسّل في أن يكون هذا الحصن من جملة ما يقع عليه المهادنة والموادعة، ولا تتعرّض الروم له بحرب ولا بقتال. فالتمس البربريّ ذلك من القطبان، وتشدّد فيه، وجزم في أنه لا يتخلّى عنه بوجه ولا بسبب، إذ قد سلّمه نصر ابن مشرّف إلى السلطان، وصار له دونه. فأجابه القطبان بأنّه لا يقرّر المسالمة إلاّ بعد أن