وصحّة وفائهم له بما بذلوه، ووفد جميعهم إلى الملك. وكان قبل موافاتهم قد أنفذ رسولا قاضيا إلى ابني صالح برسالة ومكاتبة تتضمّنان إشفاقه من حيلة تتمّ عليهما لحداثة سنّهما في خروج حلب من أيديهما، كما خرجت من أيدي غيرهما، ويملكها أعداؤهما، ويلتمس منهما أن يسلّماها إليه، ويعوّضهما عنها من البلاد والأموال ما يزيد على اقتراحهما ويوفي على ما في نفوسهما، وتأكّد في تعجيل الجواب. ووافى القاضي الرسول إلى حلب، وقد اشتهر الخبر بها بقصد الملك، وحشد إلى المدينة خلق من عملها، وخرج ابنا صالح وأصحابهما وسائر من في بلدهما حاملين السلاح للقائه. ونفر العوامّ والرعاع في وجهه، ووقف ابنا صالح على ما تحمّله الرسول إليهما، فاستوحشا وساءت ظنونهما، واعتقلا الرسول ودافعا عن إعادته بالجواب عمّا ورد معه انتظارا لما يرد إليهما من جواب الملك عن المكاتبات والمراسلات النافذة إليه مع مقلّد ابن عمّهما، ومع آل جرّاح، وطمعا في رجوعه عن رأيه في حربهما وقصد بلدهما، وعدوله إلى بلد الشام.
[الملك رومانوس يطلق آل الجرّاح ويحتاط على مقلّد بن مرداس]
ووصل الملك إلى أنطاكية في الأثر يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رجب من السنة، ونزل بين النهرين، وعوّل على إطلاق مقلّد وآل جرّاح، وتسيير جميعهم إلى أصحابهم، فانتهى إليه ما جرى على رسوله من الحلبيّين، فأنعم على آل جرّاح وأحسن إليهم وأطلقهم، وأنفذ معهم إلى صاحبهم في جملة ما أنفذه مطردا ملكيّا، ورسم له أن يقيم بحيث هو، وإذا عرف قربه منه نشر مطرده، ولقيه أين يأمره، وأخّر مقلّدا والرسول الوارد بالهدية بأنطاكية محتاطا عليهما، مقابلة على ما فعله ابنا صالح برسوله، ولبث الملك في ظاهر أنطاكية سبعة أيام.
[[المرض يستولي على عساكر الملك رومانوس بظاهر أنطاكية]]
ونال أهلها فيها ضنك شديد، وسار متوجّها إلى حلب يوم الإثنين سابع وعشرين تمّوز، وهو لسبع بقين من رجب، وقد استولى على عسكره المرض لشدّة الحر وحمرة القيظ.
وأخرج نصر وثمال ابنا صالح حريمهما وأسبابهما من القلعة بحلب