للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن مفلح نقلاً عن حفيد القاضي أبي يعلى:

"والصحيح في المذهب أن علم الكلام مشروع مأمور به، وتجوز المناظرة فيه. والمحاجة لأهل البدع، ووضع الكتب في الرد عليهم، وإلى ذلك ذهب أئمة التحقيق: القاضي، والتميمي، في جماعة المحققين، وتمسكوا في ذلك - مع استغنائه عن قول يسند إليه - بقول الإمام أحمد في رواية المرّوذي: إذا اشتغل بالصوم والصلاة، واعتزل وسكت عن الكلام في أهل البدع، فالصوم والصلاة لنفسه، وإذا تكلم كان له ولغيره، يتكلم أفضل" (١).

هذا هو موقفهم من الناحية العلمية.

وأما من الناحية العملية، فقد كان عِلمُهم عَمَلهم، يعملون بالسنة ويقتدون بالسلف، لا يبالون بما يصيبهم في سبيل ذلك من النبز بالألقاب، فيوصفون تارة بالتشديد، وتارة بالتجسيم، وتارة بالحشوية، وتارة بالمشبّهة الذين يشبّهون الله بخلقه، وهم في كل ذلك صابرون محتسبون.

بالإضافة إلى التقيد العملي بالسنة وما أثر عن السلف، فقد أخذوا على أنفسهم أن يقاطعوا أهل البدع، ويجانفوهم، لما في ذلك من الإيحاش لقلوبهم والزجر لهم عما هم فيه، وكان قدوتهم في ذلك الإمام أحمد، فإنه لم يكلم أولئك الذين أجابوا في المحنة بخلق القرآن حتى مات.

قال ابن مفلح: وقد اشتهرت الرواية عنه في هَجْرِهِ من أجاب في المحنة إلى أن مات (٢).

وكذلك كان الصف الحنبلي نقياً -في جملته- على مدى الدهور.

بقي علينا في ختام هذا المبحث أن نميط اللثام عن صلة رجلين من أكابر الحنابلة بأهل البدع، والتحقيق في مدى صحة تلك الصلة وأثرها.

وهذان الرجلان هما: أبو الوفاء ابن عقيل البغدادي (٥١٣ هـ)، ونجم الدين الطوفي الصرصري، ثم البغدادي (٧١٦ هـ).


(١) الآداب الشرعية ١/ ٢٢٦.
(٢) الآداب الشرعية ١/ ٢٤٧.