للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي علي، وأنه قال: هو عدمٌ، ولا يُسمى جسماً، ولا شيئاً أصلاً، واعتقدتُ أنا ذلك، وأنا تائبٌ إلى الله تعالى منهم.

واعتقدتُ في الحلّاج: أنه من أهل الدين والزُّهد والكرامات، ونصرتُ ذلك في جزء عملتُه، وأنا تائبٌ إلى الله تعالى منه، وأنه قُتل بإجماع علماء عصره، وأصابوا في ذلك، وأخطأ هو، ومع ذلك فإني أستغفر الله تعالى، وأتوب إليه من مخالطة المعتزلة والمبتدعة وغير ذلك، والترحم عليهم، والتعظيم لهم، فإن ذلك كله حرامٌ، ولا يحلُّ لمسلمٍ فعله، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عَظَّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام".

وقد كان الشريف أبو جعفر، ومن كان معه من الشيوخ والأتباع ساداتي وإخواني - حرسهم الله تعالى- مصيبين في الإنكار عليَّ، لما شاهدوه بخطي من الكتب التي أبرأ إلى الله تعالى منها، وأتحقَّقُ أني كنتُ مخطئاً غير مصيبٍ.

ومتى حُفِظ عليَّ ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار، فلإمام المسلمين مكافأتي على ذلك، واشهدتُ الله وملائكته وأولي العلم على ذلك سواءٌ. قال تعالى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة: ٩٥].

وكتب يوم الأربعاء، عاشِر مُحرّم سنة خمس وستين وأربع مئة" (١).

هكذا تاب ابن عقيل -رَحِمَهُ اللهُ- ورجع عمّا كان عليه، والله سبحانه يقبلُ التوبة عن عباده ويعفو عن السَّيِّئات، والتوبةُ تَجُبُّ ما قبلها، ومن أتبع السيئة بحسنةٍ محتها.

وهذا ما فعله ابنُ عقيل، فقد عاد بعد توبته الى نصِّ السنَّة، وردَّ على من مشى بُرهة في ركابهم من المبتدعة.

يقول ابن قُدامة المقدسي عنه: "ثُم عاد بعد توبته إلى نصِّ السُّنة والردِّ على من قال بمقالته الأولى بأحسن الكلام، وأبلغ نظام، وأجاب على الشُّبه التي ذُكِرت بأحسن جوابٍ، وكلامه في ذلك كثيرٌ في كتبٍ كبارٍ وصغارٍ، أجزاءٍ مفردةٍ، وعندنا من ذلك كثير، فلعلَّ إحسانهُ يمحو إساءته، وتوبته تمحو بدعته، فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السَّيِّئات" (٢).


(١) ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٤٤ - ١٤٥، والمنتظم ٨/ ٢٧٥.
(٢) الرد على ابن عقيل: ٢