سجل فقهاء الحنابلة مواقفهم من السلطة السياسية علمياً وعمليّاً من بعد الإمام أحمد، ولا ريب أنهم كانوا يقتبسون من مشكاته.
فأما الناحية العلمية، فهي التي نطالعها في مرآة الفقه الحنبلي تحت مباحث "الأحكام السلطانية" و"السياسة الشرعية" و"الخلافة والملك" و"أحكام الإمامة"، وغير ذلك من العناوين التي تدل على هذا الموضوع.
وأما الناحية العملية، فإننا نقرؤها في السير الذاتية لعلماء الحنابلة، وما سُجل لهم من الصلة بالخلفاء، وتولي بعض المناصب في الدولة، كالوزارة والسفارة، والقضاء، وغير ذلك.
• الموقف العلمي:
لا يكاد يفترق موقف الحنابلة عن موقف الإمام أحمد تجاه الإمامة، في كيفية انعقادها، ومن يتولاها، ووجوب الطاعة في غير معصية، والمناصحة في غير فتنة، وتحريم الخروج بالسيف، وهذا موقف أهل السنة والجماعة الذين يعتبر الحنابلة في مقدمتهم وعلى رأسهم.
وقد أدّى القاضي أبو يعلى -رَحِمَهُ اللهُ-، فرض الكفاية بجمع شتات أحكام الإمامة في كتابه "الأحكام السلطانية".
قال في مقدمته (١):
أما بعد، فإني كنت صنفت كتاب "الإمامة"، وذكرته في أثناء كتاب "المعتمد"، وشرحت فيه مذاهب المتكلمين وحجاجهم، وأدلتنا، والأجوبة عما ذكروه. وقد رأيت أن أفرد كتابا في الإمامة، أحذف فيه ما ذكرت هناك من الخلاف والدلائل، وأزيد فيه فصولاً أُخر، تتعلق بما يجوز للإمام فعله من الولايات وغيرها، وأسال الله الكريم العون على ذلك، والنفع به إن شاء الله. اهـ.
ومن خلال كتاب الفرّاء يمكننا أن نطلع على جملة صالحة من كتاب "الإمامة" للخلال، الذي يعتبر مصدراً رئيساً من مصادر "الأحكام السلطانية".