سيئاً، وحكم الشريعة: أنهم لايؤذن لهم فيما فعلوه من السيئات، ولا يؤمرون به، ولا يجعل حظ أنفسهم عذراً لهم في فعلهم، إذا لم تكن الشريعة عذرتهم، لكن يؤمرون بما فعلوه من الحسنات، ويحضون على ذلك، ويرغبون فيه، وإن علم أنهم لا يفعلونه إلا بالسيئات المرجوحة، كما يؤمر الأمراء بالجهاد، وإن علم أنهم لا يجاهدون إلا بنوع من الظلم، الذي تقل مفسدته بالنسبة إلى مصلحة الجهاد (١).
• الموقف العملي:
والموقف العملي من السلطة السياسية القائمة يوضحه جماعة من كبار علماء الحنابلة الذين كانت لهم أصداء وأيام مشهورة في الحياة الإجتماعية والسياسية الواسعة، فضلاً عن جهودهم ومآثرهم الجليلة في إثراء الفقه، وبلورة أصوله وسائر العلوم الشرعية الأخرى.
ومن أولئك الكبار:
القاضي أبو يعلى:
فقد كان -رَحِمَهُ اللهُ- ورعاً نزيها عفيفاً زاهداً، لا ترنو عينه إلى ما عند الخلفاء والأمراء من أعراض الدنيا الزائلة، بل لا يشغل نفسه أصلاً بذلك، ولا يفكر فيه.
وهذا يظهر جليا في شروطه على الخليفة القائم بأمر الله، عندما عرض عليه القضاء، فقد نفّذ ما اشترطه فعلاً، وكان يكره الأمراء الظَّلَمة ويقاطعهم، ويأمر تلامذته بمقاطعتهم (١).
وعلى الرغم من أنه كان قد استُقضي لدى الخليفة القائم بأمر الله في الدماء والفروج والأموال بحريم دار الخلافة، إلا أن ذلك لم يؤثر عليه في علمه ورأيه ومواقفه، فلم يكن بالذي يقف في صف العباسيين في النقمة على الأمويين الذين كانت لا تزال لهم بقية في الأندلس في ذلك الوقت، خصوصاً وأن الدولة العباسية في ذلك الوقت كانت في يد الأمراء البويهيين الذين كانوا يميلون إلى الشيعة والرافضة.
ومما يؤيد هذا في القاضي أبي يعلى، أنه قد صنف كتابا سماه "تبرئة معاوية" دافع فيه عن معاوية - رضي الله عنه -، ورد الشبهات والإفتراءات التي وجهها خصومه إليه، ويعضهم
(١) القاضي أبو يعلى وكتابه الأحكام السلطانية، للدكتور عبد القادر أبو فارس، ص ٣١٩.