للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان من بني العباس. فدل ذلك على أنه كان جريئاً إذ صنف هذا الكتاب في قلب العاصمة العباسية، وإن تصنيفه هذا لدليل على أنه عاش مستقلاً في تفكيره، عزيزاً في نفسه، رافعاً هامته، لا يخاف في الله لومة لائم.

ومنهم:

أبو الوفاء ابن عقيل:

فقد سجل مواقف سياسية رائعة، وهو تلميذ القاضي أبي يعلى.

فقد كان ابن عقيل عظيم المكانة عند الخلفاء والملوك، وكان جريئاً في الإنكار بلسانه وقلمه لما يراه من المنكرات التي يقع فيها الأمراء فضلا عن العامة. فقد كتب رسالة بعث بها إلى الوزير عميد الدولة ابن جهير، وكانت شديدة اللهجة، لما ظهرت المنكرات في بناء سور بغداد على يديه (١).

وكتب رسالة أخرى إلى السلطان جلال الدولة "ملكشاه" ينقذه من براثن الباطنية، الذين أفسدوا عقيدته، ودعوه إلى إنكار الصانع، وجاء في مقدمة تلك الرسالة:

أيها الملك، اعلم أن هؤلاء العوام والجهال يطلبون الله من طريق الحواس، فإذا فقدوه جحدوه، وهذا لا يحسن بأرباب العقول الصحيحة، وذلك أن لنا موجودات ما نالها الحس، ولم يجحدها العقل، ولا يمكننا جحدها، لقيام دلالة العقل على إثباتها (٢).

ومع هذا لم ينزع يداً من طاعة، ولا خرج عن الجماعة، وكانت له قيمة كبيرة عند الخلفاء، فقد تولى غسل الخليفة المستظهر بالله، ولما تولى المسترشد بالله بايعه ابن عقيل على شرطه الخاص، وقد قال في ذلك:

ولما تولى المسترشد تلقاني ثلاثة من المستخدمين، يقول كل واحد منهم: قد طلبك مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات، فلما صرتُ بالحضرة، وقال لي قاضي القضاة -وهو قائم بين يديه- طلبك مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات، فقلت: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ثم مددت يدي، فبسط لي يده الشريفة،


(١) "ذيل طبقات الحنابلة" ١/ ١٤٧.
(٢) المصدر السابق ١/ ١٤٨.