للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصافحته بعد السلام، وبايعت، فقلت: أبايع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المسترشد بالله على كتاب الله وسنة رسوله، وسنة الخلفاء الراشدين، ما أطاق واستطاع، وعلى الطاعة مني (١).

ومنهم:

شيخ الإسلام ابن تيمية:

فقد عاش حالة سياسية جد حرجة، عاشتها أمتنا الإسلامية في تلك الأيام، فقد انقسم المسلمون إلى دويلات وحوزات ملوك ينظر بعضهم إلى بعض نظر العدو المفترس، ثم جاءت هجمة التتار الساحقة فكسرت الشوكة واستباحت البيضة وعاثت فساداً في بغداد، ثم الشام، وإن خير وصف لتلك الحال القاتمة ما ذكره ابن الأثير في أول غارات التتار، إذ قال:

لقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأمم، منها هؤلاء التتر، فمنهم من أقبلوا من المشرق، ففعلوا الأفعال التي يستعظمها كل من سمع بها، ومنها خروج الفرنج -لعنهم الله- من المغرب إلى الشام، وقصدهم ديار مصر، وامتلاكهم ثغرها، أي دمياط، وأشرفت ديار مصر وغيرها على أن يملكوا لولا لطف الله تعالى ونصره عليهم، ومنها أن السيف بينهم مسلول والفتنة قائمة (٢).

هذا كلام ابن الأثير، الذي كان يؤرخ لتلك الأيام العصيبة عن مشاهدة ومعاينة ومعاصرة، فالإسلام قد هوجم من ثلاث جهات: من شرقه بالتتار، ومن غربه بالصليبين، ومن داخله بالعداوة المستحكمة بين الأمراء والفرق، وموالاة أهل الذمة للأعداء أياً كان لونهم (٣).

وقد ذكرنا فيما مضى أن أسرة الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- قد انتقلت من حرَّان مهاجرة إلى دمشق بسبب غارة التتار على بلادهم.

وإننا لنجد لشيخ الإسلام مواقف جليلة مع أمراء عصره وبلده، ومع التتار المحتلين


(١) المصدر السابق ١/ ١٥١.
(٢) الكامل في التاريخ: حوادث سنة ٦١٧ هـ. وانظر ابن كثير ١٣/ ٨٩.
(٣) البداية والنهاية ١٣/ ٢٠٠ - ٢٠٢، ٢١٩.