فنجد "الناسخ والمنسوخ" لأبي داود، ولأبي جعفر ابن النحاس، ولمحمد الموصلي. ونجد "الفرائض" لعبد الله العكبري. ونجد "نفي التشبيه" لإبن عقيل، ونجد "المناسك" لعبد الله العكبري، وإبراهيم الحربي، ولأبي الخطاب الكلوذاني، ولجعفر السراج، ولعلي الزاغوني، ولابن قدامة المقدسي، ولعبد الوهاب النابلسي.
ونجد "أحكام النساء" للآجري، والعكبري، وابن رجب، والخلال، وابن الجوزي.
ولا يخفى ما في التآليف المفردة من فوائد، فإنها تدل على الإهتمام بالموضوع المؤلف فيه، والإستقصاء في جمع شتاته ولَمِّ شعثاته، وقد يجد المؤلف بالنَّاس حاجةً ماسةً يراها من فريضة العصر وواجب الوقت، ليبين لهم ما أنزل الله لهم من الحق، وما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته في ذلك من الكتاب والحكمة. قال أبو حاتم الرازي: أتيت أحمد بن حنبل في أول ما التقيت معه سنة ٢١٣ هـ، فإذا قد أخرج معه إلى الصلاةكتاب "الأشربة" وكتاب "الإيمان"، فصلَّى، ولم يسأله أحد، فرده إلى بيته. وأتيته يوماً آخر، فإذا قد أخرج الكتابين فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك، لأن كتاب "الإيمان" أصل الدين، وكتاب "الأشربة" صرف الناس عن الشر، فإن أصل كل شر من السكر (١).
فنلاحظ كيف تنبه الإمام أبو حاتم إلى أهمية الكتابين، وضرورتهما للناس، ونزيد على ذلك، فنقول: إنه ما من شك يمكن أن يحوم بالأذهان أن بغداد في زمن الإمام أحمد كانت مرتعاً لنشر البدع والفقه الشاذ، فقد كانت بدع المعتزلة والقدرية والمرجئة تفعل فعلها في الناس كبارًا وصغاراً، فكان الإمام أحمد يرى تأليف مثل كتاب "الإيمان" فريضة الوقت في الرد على تلك البدع المضلة بأبلغ جواب، وذلك ببيان ما في كتاب الله وسنة رسوله من الحق الذي لا يمتري فيه مسلم.
والى جانب ذلك، فقد درج بعض الخلفاء العباسيين على استحلال النبيذ وتناوله، مصيراً منهم إلى تقليد بعض فقهاء الكوفة الذين أباحوا الأنبذة المتخذة من غير العنب، ولو كانت مسكرة، ما دام القدر المشروب منها لم يصل بالشارب إلى حد الثمول. وتلك بلية تستحق تأليف كتاب مثل "الأشربة" لبيان ما ثبت في السنة مما يخالف ذلك الإجتهاد مخالفة صريحة.