ذلك الأمر الجليل الذي لا يوجد عمل أخطر منه في نظر أحمد وغيره، وهو عمل النبيين - صلوات الله وسلامه عليهم -، ألا وهو الدرس والتحديث والإفتاء.
لقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأربعين، وبلغ رسالة ربه في هذه السن، ولم يرسله الله رحمة للناس إلا فيها، فلابد أن أحمد المتبع المقتدي استحيا أن يجلس للفتيا والحديث إلا بعد أن بلغ الأربعين، وبعد أن تكامل نموه في الجسم والروح.
هذا ما نراه تعليلًا لامتناعه عن الجلوس للحديث والفتوى قبل أن يبلغ هذه السن، وهو تعليل ملتمس من جملة أحواله، كان لم نجد نصًا عليه فيما تحت أيدينا من مصادر (١).
أقول: قوله: تسرَّى وقد استأذن زوجته في ذلك ... إلخ. هذا مخالف لما في بعض المصادر، فقد ذكر ابن الجوزي في الباب الثالث والستين في ذكر سراريه أنه اشترى جارية واحدة فقط، وهي حُسنُ التيْ ذكرناها في أسرته، وأنه اشتراها بعد ما غابت آخر زوجاته عن الحياة.
نعم ذكر ابن الجوزي الإستئذان المشار إليه في "المناقب"(ص ٢٢٩) ولكن الرواية بذلك ضعيفة على ما يبدو، لأنه رواها بلاغًا، والدليل على ضعفها أنه لم يذكرها في إحصاء سراريه.
• وصف مجلسه:
كان مجلس الإمام أحمد مجلسًا جليلًا خلدت ذكره الأخبار، وسارت به الركبان في الأنجاد والأغوار، كان مجلس علم ومجلس حلم ومجلس وقار، فيه السمت وفيه الأدب وفيه الورع، فلا جرم كان بعض الطلاب يقصدون الحديث، فيكتبون، ويعضهم يقصدون أخذ الأدب والسمت، والنظر إلى وقار الإمام أحمد واحترامه للحديث والعلم.
قال المروذي: لم أر المفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد، كان مائلًا إليهم، مقصرًا عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، تَعلوهُ