للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السكينة والوقار، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر (١).

وعن الحسين بن إسماعيل عن أبيه، قال: كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، نحو خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت (٢).

ويظهر أنه كان له مجلسان للدرس والتحديث: أحدهما: في منزله يحدث فيه خاصة تلاميذه وأولاده. والثاني: في السجد يحضر إليه العامة والتلاميذ، وقدْ رأينا كيف كان يذكر بعضهم أن درسه يبلغ من يحضره خمسة آلاف، وأن خمسمائة فقط هم الذين يكتبون، أي: نحو عُشر الحاضرين الذين ينقلون عنه الحديث، ويروونه، وهم الخاصة من تلاميذه والمستمعين إليه، وخاصة الخاصة من تلاميذه هم الذين كانوا يذهبون إلى بيته، ويتلقون عنه مع أولاده وأهله.

وقد كان وقت درسه في المسجد بعد العصر ولعله كان يختار ذلك الوقت؛ لأنه قبل عتمة الليل، وبعد وهج النهار، ولأنه وقت راحة لأكثر الناس فيتيسر لهم أن يحضروا، ولأنه وقت صفاء النفس، وفراغها من تشاغل الحياة واضطرابها، فيكون الحديث أو الإفتاء والنفس مستجمة مقبلة، لا كليلة مدبرة، والدرس عند إقبال النفس أعمق أثرًا فيها وأكثر شيوعًا في نواحيها (٣).

• وصف عام للكتب التي كان يقرؤها على الناس:

وكان الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-، كسائر معاصريه من المحدثين، قد جمع الأحاديث التي رواها عن الأئمة من طبقة شيوخه في دواوين، ومسموعات مصنفة على الشيوخ، فحديث هشيم بن بشير في كتاب، وحديث يزيد بن هارون في كتاب، وحديث وكيع في كتاب، وهكذا، ولكنه لم يضع تراجم الشيوخ وأسماءهم على


(١) السير ١١/ ٢١٨، المناقب ص. ٢٨.
(٢) السير ١١/ ٣١٦، المناقب ص ٢٧١.
(٣) ابن حنبل، لأبي زهرة ص ٣٩.