للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظهور تلك المسموعات، ومع ذلك لا يختلط عليه الحديث، ولا تلتبس عليه النسخ والمرويات والمسموعات، حتى كان أبو زرعة الرازي يعجب من ذلك، ويذعن بعدم القدرة على بلوغه ذلك الشأو. فقد قال البردعي يومًا لأبي زرعة: يا أبا زرعة، أنت أحفظ أم أحمد بن حنبل؟ قال: بل أحمد بن حنبل. قال: وكليف علمت ذاك؟ قال: وجدت كتب أحمد بن حنبل، ليس في أوائل الأجزاء ترجمة أسماء المحدثين الذين سمع منهم، فكان يحفظ كل جزء ممن سمع، وأنا، فلا أقدر على هذا (١).

كان الإمام أحمد يحدث بتلك الأحاديث، وهي على تلك الحال، وكان يحدث من تلك الصحف ولا يعتمد على حفظه تورعًا وتواضعًا. فقد قال علي بن المديني: "ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة حسنة (٢).

بالإضافة إلى هذا كان الإمام أحمد قد صنف جملة من الكتب والمؤلفات، وجعل يقرؤها على الناس، فهذه من جملة ما كان يلقي في دروسه، فقد صنف "المسند" و"فضائل الصحابة" و"العلل وصرفة الرجال" و"الأسامي والكنى" و"الزهد" و"الرد على الزنادقة والجهمية" و"الإيمان" و"الناسخ والمنسوخ" و"الأشربة" وغير ذلك من التصانيف.

ولكن لا نجزم أنه كان يقرأ هذه الكتب، أو قد قرأها جميعًا على الناس، على أن بعض تلك الكتب كان يقرؤها حسبما تفيد الروايات والأخبار، فقد قال أبو حاتم الرازي -رَحِمَهُ اللهُ-: "أتيت أحمد بن حنبل في أول ما التقيت معه سنة ٢١٣ هـ، فإذا قد أخرج معه إلى الصلاة كتاب "الأشربة" وكتاب "الأيمان" فصلى، ولم يسأله أحد فرده إلى بيته. وأتيته يومًا آخر فإذا قد أخرج الكتابين فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك، لأن كتاب "الإيمان" أصل الدين، وكتاب "الأشربة" صرف الناس عن الشر، فإن أصل كل شر من السكر" (٣).


(١) تقدمة الجرح والتعديل ص ٢٩٦، السير ١١/ ١٨٨، والمناقب ص ٨٦.
(٢) المصدر السابق ص ٢٩٥.
(٣) المصدر السابق ص ٣٠٣، المناقب ص ٢٤٦.