للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن جلس، ودلالته نصية.

ولدينا حديث عبد الله بن بسر، ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالجلوس دون أن يصلي تحية المسجد لقوله: (اجلس فقد آذيت)، وإنما جعلت دلالته من قبيل الظاهر؛ لأن ظاهره يحتمل: أنه أمره بالجلوس، ولم يأمره بتحية المسجد؛، ويحتمل أنه أراد من قوله: (اجلس): أي لا تتخَطَّ، أو أن المراد: اجلس بشرط الجلوس المفهوم من قوله: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، ولم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم من أمره بالجلوس ترك التحية، وإذا تعارضت دلالتان: إحداهما نصية، والأخرى ظاهرة، قدم النص على الظاهر إذا لم يمكن الجمع؛ لأن النص لا يحتمل إلا معنى واحدًا، بخلاف الظاهر، فإنه يفيد معنى مع احتمال غيره، فإذا كان أحد المعنيين للظاهر يتفق مع دلالة نص حديث جابر، وجب صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر إلى المعنى الآخر المتفق مع دلالة النص؛ لأننا بذلك نكون أعملنا كلا الدليلين، بخلاف الترجيح فإنه إعمال لأحدهما، وإهمال للآخر، وهو ما يسميه أهل الأصول بالتأويل الصحيح بخلاف التأويل الفاسد الذي يظنه المؤول دليلًا، وليس بدليل في نفس الأمر.

الوجه الثاني:

حديث أبي قتادة: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)

يفيد وجوب تحية المسجد مطلقًا على كل داخل للمسجد، من غير فرق بين الجمعة وغيرها.

وحديث عبد الله بن بسر: (اجلس فقد آذيت) يفيد ظاهره سقوط تحية المسجد عن الرجل إذا دخل والإمام يخطب، فيبقى وجوب حديث أبي قتادة على عمومه لا يخص منه إلا الداخل يوم الجمعة، والإمام يخطب.

فإذا تعاملنا مع النصوص من حيث العموم والخصوص، وقلنا: الخاص مقدم على العام، فهو يقتضي تخصيصه، لا إبطال العام بالخاص، فلم يصح نقض دلالة الوجوب بهذا الخاص.

فيبقى علينا الجواب عن معارضة الخاص من حديث عبد الله بن بسر بالخاص من حديث جابر في قصة سليك الغطفاني، ولا شك أن حديث جابر مقدم على حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>