للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتصح بلغة أهلها، ولو كان قادرًا على العربية على الصحيح.

ومنها ما يعتبر لفظه مع القدرة عليه دون العجز، كالتكبير، والتسبيح، والدعاء في الصلاة، فهذه الألفاظ توقيفية، ولا إعجاز في لفظها، فتجب مع القدرة، وتجوز بغير العربية مع العجز.

ومنها ما يعتبر لفظه ومعناه، وهو القرآن؛ لإعجازه بلفظه ومعناه، فلا تجوز الترجمة عنه بلغة أخرى، فالعلماء مجمعون على أن القرآن هو اللفظ والمعنى، وليس المعنى وحده يُعَدُّ قرآنًا، وبهذا فارق القرآن الحديث القدسي الذي كان معناه منسوبًا إلى الله، ولفظه منسوبًا للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والإعجاز من حيث اللفظ يزول بزوال النظم العربي؛ لأن المعتمد في إعجاز القرآن هو اللفظ من حيث جزالة أسلوبه وفصاحته المجاوزة لحدود جزالة العرب، والجزالة والأسلوب يتعلقان بالألفاظ، وأما المعنى فهو تابع للفظ، ولهذا تحدى الله العرب أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، فلما كانت العشر مفتريات كانت من حيث المعنى لن تماثل الصدق، فدل على أنه تحداهم أن يأتوا بمثله من حيث اللفظ، وأن الإعجاز كان بألفاظه، والمعنى تبع.

ولا خلاف أن القرآن معجز، وليست ترجمته معجزة، فلا تكون الترجمة قرآنًا؛ لانعدام الإعجاز، ولهذا لا تشترط الطهارة لمس المترجم خلافًا للأصح عند الحنفية، ولا تحرم قراءته من الجنب، ولا يحنث بها من حلف لا يقرأ القرآن (١).

الدليل الخامس:

إذا عجز الإنسان عن قراءة القرآن انتقل إلى بدله، وهو الذكر من تسبيح، وتهليل، وتحميد، ولم يجعل الله بدل القرآن تفسيره، ولا ترجمته في لغة أخرى.

(ح-١٥٩٥) فقد روى أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن يزيد أبي خالد الدالاني، عن إبراهيم السكسكي،

عن ابن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني


(١). قال الحنفية: الجواز أقرب إلى القياس، والمنع أقرب إلى التعظيم، والصحيح المنع، انظر حاشية ابن عابدين (١/ ٢٩٣)، البحر الرائق (١/ ٢١١، ٢١٢)، الموسوعة الكويتية (١١/ ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>